يبدو أن الغرب قد تابع جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية التركية بشغف وقلق، لأنه يدرك أن نتيجتها ستؤثر على مصالحه ومشاريعه في المنطقة. فالرئيس التركي رجب طيب أردوغان هو قائد مستقل وشجاع- كما أظهرت ذلك مواقفه- يتمسك بمبادئه الإسلامية والإنسانية، ويتعامل مع القوى الدولية بندية واحترام متبادل.
مع فوزه -أردوغان- بولاية رئاسية ثانية سيُواصل خلالها حكم تركيا لخمس سنوات قادمة، كشف صحف أوروبية وأمريكية وحتى من إسرائيل، عن الموقف “شبه الرسمي” لدوائر صنع القرار في تلك الدول من انتصار أردوغان في آخر مشاركة انتخابية لخ بوصفه مرشحا لرئاسة البلاد.
أردوغان “الخارق” استطاع التكيف مع مزاج جمهوره
أثار فوز أردوغان ردود فعل متباينة في الصحف الأجنبية، التي وصفت أردوغان بألقاب مثل “الخارق” و”الاستبدادي”. فما هي أبرز التعليقات التي نشرتها هذه الصحف على نتائج الانتخابات؟
البداية مع صحيفة “ليبراسيون” (Liberation) الفرنسية التي وصفت أردوغان بـ”الخارق”، قائلة إنه يفرض أفكاره ويتكيف مع مزاج جمهوره في كل حملة انتخابية. وأضافت أنه يستطيع تقديم نفسه على أنه قائد قومي وإسلامي وديمقراطي في آن واحد، مستغلا شعور المواطنين بالظلم والإقصاء.
في عالم الصحافة الناطقة بالفرنسية أيضاًَ، قالت صحيفة “لوموند” (Le monde) إن أردوغان سيتمتع خلال ولايته الجديدة بسلطات غير محدودة تقريبا، بعد أن كذب كل التوقعات حول احتمال انتهاء حكمه. وأضافت أنه لا يبدو مستعدا لتغيير مساره في السياسة الداخلية أو الخارجية، رغم التحديات الاقتصادية والإقليمية التي تواجهه.
وعلى صعيد مُتّصل نصحت صحيفة “لوتان” (Le Temps) السويسرية نصحت الغرب بالاستمرار في التعامل مع أردوغان كشريك لا يمكن التنبؤ به، قائلة إن هذه ستكون ولايته الأخيرة في الرئاسة. وأشارت إلى أن تركيا تظل دولة استراتيجية في المنطقة، رغم خلافاتها مع حلفائها.
بالانتقال إلى الصحف الناطقة بالإنجليزية، نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” (The New York Times) الأميركية عن سليم كورو، محلل في مؤسسة أبحاث السياسة الاقتصادية في تركيا، قوله إن “أردوغان لديه رؤية واضحة لما يريده للبلاد، ولديه هذه الرؤية منذ كان صغيرا جدا، وما يعجب الناس فيه هو أنه لم يتنازل عن ذلك”. وأشارت إلى أن ناخبيه يظلون مخلصين له رغم اتهامات المعارضة بالفساد والديكتاتورية”.
أما صحيفة “ذي إندبندنت” (The Independent) البريطانية، فأكدت أن “أردوغان هو وحده الذي يعرف خططه لمستقبل تركيا، وهذه هي المشكلة” على حدّ قولها. وأضافت أن انتخابه “سيمدد حكمه الاستبدادي” بشكل متزايد إلى ربع قرن، دون أن يكشف عن نواياه بشأن الإصلاحات الديمقراطية أو حل القضية الكردية.
بدورها، قالت صحيفة “الغارديان” (The Guardian) البريطانية إن الغرب واقع بين الخوف والرجاء مع تمديد حكم أردوغان، مشيرة إلى أن العواصم الغربية ظلت صامتة خلال الحملة الانتخابية، على أمل أن يخسر. وأضافت أن المسألة المستعجلة هي منع أردوغان من التقارب مع روسيا، التي تشكل تهديدًا لأوروبا.
في إسرائيل، أوصت صحيفة “جيروزاليم بوست” (Jerusalem Post) في افتتاحيتها باحترام أردوغان والحذر منه في الوقت نفسه.
وأكدت أن احترام أردوغان يفرضه كونه رئيس دولة كبيرة وفخورة وقوية ومهمة في المنطقة، لكن ينبغي توخّي الحذر، إذ إن “أردوغان الذي تقابلونه اليوم قد لا يكون أردوغان الذي ستقابلونه غدًا”.
وضربت الصحيفة أمثلة عدة على التغير المطرد في سياسة أردوغان؛ من انتقال الزعيم التركي من السعي للحصول على العضوية في الاتحاد الأوروبي وتنفيذ الإصلاحات التي فوضها الاتحاد الأوروبي إلى انتقاد هذا الاتحاد.
كما انتقل من اتباع سياسة التعامل مع الأكراد في البداية إلى تبنّي نهج متشدد تجاههم، وانتقل من سياسة “صفر مشاكل مع الجيران” المعلنة إلى واقع كانت فيه تركيا على خلاف شديد مع جميع جيرانها تقريبًا، وفقا لجيروزاليم بوست.
وتجدر الإشارة إلى أنه ومنذ تولي أردوغان السلطة في عام 2003، حققت تركيا تحت قيادته نهضة اقتصادية وسياسية وثقافية، وأصبحت قوة إقليمية وعالمية لا يمكن تجاهلها.
ويقول مقربون من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مناسبات إعلامية عديدة، إن الغرب يحاول تشويه صورة أردوغان والتأثير على إرادة الشعب التركي في كل محفل انتخابي.
لكن نتائج الانتخابات التركية، حسب تحليلات نشطاء أتراك، أظهرت وعياً سياسياً عميقاً وثقة كبيرة في رئيسهم الحالي أردوغان. واعتبر نفس النشطاء أن الغرب فشل في رهانه، وأثبت أردوغان من جديد أنه رجل الدولة التركية القويّ، الذي يستحق فوزه وثقة شعبه.