18.33°القدس
17.95°رام الله
17.75°الخليل
23.28°غزة
18.33° القدس
رام الله17.95°
الخليل17.75°
غزة23.28°
الثلاثاء 15 أكتوبر 2024
4.92جنيه إسترليني
5.32دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.11يورو
3.77دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.92
دينار أردني5.32
جنيه مصري0.08
يورو4.11
دولار أمريكي3.77

خبر: عن الحرب التليفزيونية

في اليوم التالي للاشتباكات التي حدثت أمام مقر الإخوان بالمقطم استضافت أغلب القنوات الفضائية المصرية الخاصة أعدادا من الذين شاركوا في الموقعة. وكان حضور المتظاهرين طاغيا. بحيث لم نكد نرى الطرف الآخر الذى قام بالدفاع عن المقر، وفى واحد من أهم البرامج الحوارية المسائية كان الضيف الرئيسي أحد الناشطين المعروفين الذى ظهر مصابا في ذراعه التي وضعت في الجبس، ولأنه جاء مرتديا صديرية يغلب عليها اللون الأحمر، فإن اليد المغطاة بالجبس الأبيض بدت شديدة الوضوح. وسواء كانت تلك مجرد مصادفة أم أنه كان من قبيل الإخراج الذى أريد به لفت النظر، فالشاهد أن الحوار الذى دار ومجمل الحوارات الأخرى التي جرى بثها في نفس الوقت ركز على عدة نقاط تمثلت في سلمية المظاهرة التي استهدفت مقر الإخوان، ثم "اضطرار" المتظاهرين إلى الدفاع عن أنفسهم أمام هجوم شباب الإخوان الذين تجمعوا أمام المقر، وقد وصفهم البعض بأنهم "ميليشيات" إمعانا في إظهار عسكرتهم وتأهبهم للاشتباك والقتال. احترنا ولم نفهم، لأننا في اليوم التالي شاهدنا عبر مواقع الإنترنت صورا وأشرطة فيديو سجلت العديد من مظاهر الاعتداء على الإخوان. فرأينا أكثر من واحد في أثناء سحلهم. وشاهدنا رجلا مسنا يتعرض لضرب وحشى، وآخرين ينقضون بالعصى والمطاوي على بعض شباب الإخوان. كما رأينا سلاحا بيد أحد المتظاهرين، وبندقية "خرطوش" بحوزة أحد الأعضاء الذين ينتمون إلى جماعة "بلاك بلوك". ورأينا صورا لشاب أشعلت فيه النيران. وآخرين ظهروا حاملين السنج والمطاوي، كما سجلت الصور حرق عدة حافلات وتحطيم بعض السيارات التابعة للإخوان. وفى شريط آخر رأينا كيف تم اقتحام مقر حزب الحرية والعدالة في حي "المنيل" الذى دمرت محتوياته بالكامل، أثناء احتفال بعض السيدات فيه بمناسبة عيد الأم. إلى غير ذلك من الصور التي حجبت ولم نرها على شاشات التليفزيون، الأمر الذى يكاد يعطى انطباعا بأن الذين ظهروا على شاشات القنوات الخاصة تحدثوا عن اشتباك آخر غير الذى سجلته أشرطة الفيديو. وهو ما ذكرنا بموقف القنوات التليفزيونية الأمريكية أثناء غزو العراق، حين قدمت الحملة بحسبانها عملا نبيلا استهدف تحرير البلاد من طغيان صدام حسين، في حين أن بعض القنوات العربية، وعلى رأسها قناة الجزيرة كشفت حقيقة الغزو ووجهه القبيح. وقيل وقتذاك من بعض المتابعين إن بث الطرفين اختلف حتى بدا كأنهما يتحدثان عن حربين مختلفتين. السياسيون فعلوا نفس الشيء، بحيث بدا خطاب ما سمى بالطرف المدني مراوغا ومبررا، ولم نلمس فيه إدانة صريحة للجرائم التي ارتكبت. فلا انتقدوا السحل رغم فظاعته ولا تحدثوا بكلمة عن الاعتداء على السيدات اللاتي كن يحتفلن بعيد الأم في مقر المنيل الذى تم اقتحامه وتدميره، في حين أنهم اعتبروا ان مصر كلها صفعت على وجهها، حين اعتدى أحد الإخوان بالضرب على إحدى الناشطات في وقت سابق، وهو التصرف الذى أدانه الجميع ولم يدافع عنه أو يبرره أحد. انحياز السياسيين نفهمه، رغم إدانتنا له من الناحية الأخلاقية. إلا أن تحيز الإعلاميين أخطر. ذلك أنه لا يسمم أجواء السياسة فحسب ولا يشوه الرأي العام ولا يطمس الحقيقة فحسب، وإنما هو يفسد المهنة أيضا. وتلك ظاهرة تستحق النظر، ذلك أنه يعد انقراض مهنة الإعلامي التليفزيوني المحترف، في ظل زحف الصحفيين والمثقفين الباحثين عن النجومية على شاشات التليفزيون فإننا دخلنا في طور آخر تحول فيه الإعلامي التليفزيوني إلى ناشط سياسي، وأحيانا محرض وزعيم سياسي. والفرق بين التليفزيوني المحترف والناشط، أن الأول معنى بتحري الحقيقة ومهمته أن يوصلها إلى المشاهد كما هي بحيث يتيح له أن يفهم ثم يترك له حرية أن يفاضل ويختار. أما الثاني فهو يبدأ منحازا إلى موقف ويحاول طول الوقت أن يعزز وجهة نظره من خلال استضافة الأشخاص الذين يؤيدونها والتدخل بتعليقات أو التركيز على صور تخدم ذلك الموقف. المثل الذى بين أيدينا يجسد ذلك الذى أدعيه، ويبين إلى أي مدى تردى الإعلام التليفزيوني ووصل عمق الاستقطاب في مصر، حتى أزعم أن الإعلام بعامة والتليفزيون بوجه أخص أصبح أخطر أسلحة المواجهة الراهنة. لذلك لا أستغرب حرص الأطراف التي تعمل على إثارة الفوضى وتلك التي تساند الثورة المضادة على أن تخوض معركتها من خلال التليفزيون. ولدي استعداد لتصديق الهمسات التي تتردد حول تقدم إحدى الدول الخليجية لشراء أهم قنواته في داخل مصر، بعدما ضخَّت بعض أموالها لتأسيس قناة عربية وشراء إحدى الصحف في لندن كأن الذى يحدث الآن مجرد تسخين لما هو قادم من جولات.