علقت صحيفة عبرية على التمرد العسكري القصير الذي نفذته قوات "فاغنر" العسكرية التي يقودها يفغيني بريغوجين، والذي انتقل من شخص مقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى شخص يمثل "تهديدا له"، وذلك لمساهمته في تقويض سيطرة بوتين على الحكم.
وأوضحت صحيفة "هآرتس" في مقال للكاتب إنشل بابر بعنوان "فقدان السيطرة"، أن "اللحظة التي اضطر فيها الرئيس بوتين، إلى إبلاغ مواطني الدولة عن "ضربة لروسيا ولشعبها"، كانت هي اللحظة الأكثر صعوبة منذ أمر بغزو أوكرانيا قبل 16 شهرا".
وأضافت: "بوجه متكدر اضطر بوتين إلى الاعتراف بأنه قد فقد السيطرة على قادة الجيش، على يد بريغوجين؛ المارق العنيف الذي يبيع النقانق ولديه عدة مطاعم، والذي عمل لمصلحته كمقاول للمهمات القذرة في أرجاء العالم، وكافأه بمناقصة كبيرة لتزويد الجيش بالغذاء، وسمح له بإقامة جيش خاص (فاغنر)؛ وهي شركة المرتزقة الأكبر في العالم".
وأشار بابر إلى أن بوتين وقف معارضا في الأشهر الأخيرة عندما أدار بريغوجين حرب شتائم علنية مع الشخص الآخر الذي قربه، وزير الدفاع سيرغي شويغو، على الطريقة التي جرت فيها الحرب في أوكرانيا".
ونوهت الصحيفة إلى أن "قوة بوتين منذ صعوده إلى الحكم، ارتكزت على قدرته على توزيع السيطرة على الأجهزة الفيدرالية في روسيا، بين مجموعة الأوليغارشيين الذين يكافئونه بالإخلاص المطلق والتمويل، وأيضا عندما خرج بريغوجين في مساء يوم الجمعة بسلسلة أفلام كشف فيها الحقيقة - بحسب رأيه - عن سبب الحرب الزائدة.
وبدأ في قيادة رجاله لحملة مسلحة ضد قادة الجيش الروسي، هو لم يقم باتهام بوتين بشكل مباشر، ومثلما هو التقليد الروسي، فإن بريغوجين قام بإرسال رسالة جاء فيها: القيصر جيد، لكن المستشارين يقومون بتضليله، لكن بوتين الذي أخطأ في الاعتقاد بأنه يمكنه مواصلة الإمساك بالطرفين، أدرك، بتأخير كبير، أنه يجب عليه اختيار أحد الطرفين".
ولفتت الصحيفة، إلى أن "بريغوجين الذي أدرك أن احتمالية وصوله على قيد الحياة لوزارة الدفاع وإجراء محاكمة صورية لشويغو، ضعيفة، ألغى التهديد بالخروج على رأس "مسيرة الحرية" في موسكو التي مثلما في كل دولة ديكتاتورية، طوقت بالقوات الأقوى والأكثر إخلاصا للنظام".
وأكدت أن "قائد فاغنر تسبب في ضرر كبير لبوتين في مدينة روستوف، وهي المدينة التي يعيش فيها مليون نسمة وتوجد في جنوب روسيا، والتي احتلتها قوات فاغنر خلال بضع ساعات، لأن روستوف هي المركز العسكري - اللوجستي الأساسي لقوات الغزو الروسي في أوكرانيا، علما بأن قوات فاغنر تمر فيها بشكل دائم كجزء من تشكيلة القوات الروسية التي أرسلت إلى الجبهة وكمزودين لغذاء الجيش، وسكان المدينة يعتبرونهم كالجنود الروس بالضبط، وكثير من جنود الجيش وبعض الضباط الكبار في القيادة المحلية لديهم صداقة معهم".
وبينت "هآرتس"، أن "سيطرة بريغوجين على القيادة في روستوف، أوجدت معضلة كبيرة أمام بوتين وقادة الجيش، فهجوم جوي أو بري أو محاصرة القاعدة في المدينة، كل ذلك كان سيؤدي بالضرورة لشل الجهود العسكرية في صد الهجوم الأوكراني الكبير والمستمر منذ أسابيع".
ونبهت إلى أن "كل فيلم نشره بريغوجين، فتح ثغرة عميقة أخرى في رواية العملية العسكرية الخاصة التي بناها الكرملين منذ بداية الغزو، وبذلك فإنه قوض سيطرة بوتين على الحكم".
وأشارت الصحيفة، إلى أن بريغوجين صعد أشهر اتهاماته ضد شويغو الذي "يدير الحرب بشكل غبي ويمنع التموين والتسليح عن قوات فاغنر الذين يقومون بمعظم العمل الصعب في الجبهة".
والأسبوع الماضي، انتقل بريغوجين إلى اتهامه بأنه أمر الجيش الروسي بمهاجمة قواته، ويوم الجمعة قام بتحطيم كل البديهيات عندما قال: "وزارة الدفاع تحاول تضليل الشعب والرئيس، هناك هجوم هستيري من جهة أوكرانيا وأنها خططت لمهاجمتنا مع حلف "الناتو" والعملية العسكرية الخاصة التي بدأت في 24 شباط الماضي كانت لأسباب مختلفة تماما".
وبحسب "هآرتس"، فإنه "يمكن بالطبع التساؤل، عن أنه إذا كانت هذه هي الحال، فلماذا شارك بريغوجين نفسه في الحماس الكبير جدا للحرب، وقام بعملية تجنيد سجناء للجبهة في سجون روسيا وأرسل عشرات آلاف المقاتلين ليموتوا في ساحة الحرب، وهو يتهم الجنرالات الفاشلين بأنهم قاموا برمي 100 ألف شاب روسي في مفرمة اللحم، لكنه أيضا لم يدس يده في الصحن؟"، بحسب تعبيرها.
ورأت أن "السؤال الأكبر هو: من الذي سيصدق الروس الآن؟ بريغوجين لا يعارض نظام شخص في المنفى، منذ بداية الحرب يتم تفخيمه في دعاية الكرملين كوطني روسي شجاع، ومستعد للتضحية بكل شيء في ساحة الحرب، وحتى قبل أن يتضح ما إذا كانت لبريغوجين وقوة فاغنر القوة والقدرة على السيطرة على مناطق أخرى في روسيا، وقام بتوجيه ضربة شديدة لجهاز دعاية بوتين؛ وهو سيستمر في ذلك طالما أنه على قيد الحياة ولديه هاتف ذكي".
ونوهت الصحيفة، إلى أنه "في الوقت الذي شخصت فيه أنظار العالم نحو ما كان يبدو خلال ساعات كحرب أهلية في روسيا، فالحرب في أوكرانيا مستمرة، وقوات فاغنر شكلت فقط جزءا صغيرا من المنظومة الروسية في الجبهة، لكنها قوات متميزة، والآن تم حذفها من تشكيلة القوات، وفي نفس الوقت فإنه من غير الواضح كيف سيواصل جهاز تموين الجيش الروسي إطعام جنوده بدون خدمات هذه الشركة".
وفي ظل هذه المستجدات، رجحت "هآرتس"، أن "يتسع الهجوم الأوكراني الذي من أجله شكلت أوكرانيا فرق مدرعات جديدة مع دبابات غربية، وبوتين نفسه يمكن أن يجد نفسه خلال أيام يواجه في الوقت نفسه سقوطا في جبهة أوكرانيا، وإمكانية تجدد حرب أهلية، والعملية العسكرية الخاصة التي هدفت إلى احتلال كييف خلال ثلاثة أيام ترتد الآن إلى بيته".