للأسبوع الثامن والعشرين على التوالي يتظاهر عشرات آلاف الإسرائيليين في الشوارع والطرقات ضد الانقلاب القضائي الجاري، وسط مزيد من الاستقواء بالعامل الخارجي المتمثل بالرئيس بايدن والإدارة الأمريكية التي باتت تعلن مواقفها الحادة مما تنفذه حكومة اليمين في تل أبيب، بجانب تفاقم ظاهرة رفض الطيارين وجنود الوحدات الاستخبارية الانخراط في الخدمة العسكرية الاحتياطية.
لقد شكّل مشهد تجمع الطيارين وخبراء السايبر و8200 الحدث الأكثر إثارة للقلق لحكومة اليمين من بين العديد من الأحداث التي وقعت في الأيام القليلة الماضية، وأضرارها طويلة المدى، ولعل "التمتمات" السائدة بين كبار هيئة الأركان حول التأثيرات السلبية لمزيد من احتجاجات الطيارين على أداء الجيش عموما، وما تسرب في الساعات الأخيرة عن اجتماع عقده قائد الجيش هاليفي مع وزير الحرب غالانت، قد يجبر الحكومة أن تجثو على ركبتيها، خشية صدور دعوات على غرار ما أطلقها الأخير قبل أن يقيله نتنياهو، ثم يتراجع عنها.
التخوف السائد في أوساط دولة الاحتلال التي باتت تحبس أنفاسها مع مرور الوقت، يرتبط بمدى قدرة حكومة اليمين الفاشي على المساومة على أخطر أسلحة الدولة وهو الطيران مقابل تحقيق إنجاز حزبي هنا وهناك، والجواب المتوقع لمثل هذا السؤال قد يسبب مزيدا من التمزّق في المجتمع الإسرائيلي، لأن التحذيرات المتكررة في الأيام الأخيرة تنبّه إلى تضرر الكفاءة التشغيلية للجيش من الاستنكاف المتواصل للطيارين، مما يضع مزيدا من الخطوط الحمراء أمام الحكومة، ويزيد من الخطر المتمثل على أدائه المستقبلي.
نتنياهو من جهته فاجأ الاسرائيليين حين لم يتردد في الإعلان بأن "الدولة بإمكانها أن تتدبر شئونها دون بعض الطيارين، لكنها لن تستطيع بدون حكومة"، مما تسبب بثورة من ردود الفعل الغاضبة عليه، بزعم أن هؤلاء الطيارين كرّسوا حياتهم لحماية الدولة من أي تهديد، كل واحد منهم خاطر بحياته عدة مرات، وقدموا لسنوات طويلة مهمات عسكرية حفظت أمن الاحتلال، واستهدفت أعداءه في المنطقة، وأطالت أمد بقائه فيها.
لقد وصلت أصداء ما يمكن وصفه بـ"التمرد" في صفوف الطيارين إلى صفوف الائتلاف الحكومي ذاته، لاسيما حزب الليكود، وهو ما تخشاه الحكومة من تكرار ما حصل في الجولة السابقة حين ألقى غالانت خطابه ضدها، وظهور أعضاء كنيست آخرين تم تصنيفهم بأنهم مؤيدون للتسوية مع المعارضة، ويمارسون ضغوطهم على الحكومة، بهدف تهدئة المشاهد العاصفة في الدولة، وفي الوقت ذاته دون التهديد بخسارة الائتلاف الحاكم.
مزيد من التوتر في الأيام القادمة بين الحكومة والمعارضة، ستزيد من حدّة انضمام الطيارين ورجال السايبر لهذا الصراع، مما سيترك آثاره على أمن الاحتلال، ويزيد من المخاوف المحدقة بقدرته على التعامل مع التهديدات الناشئة.