سأرجع بالذاكرة إلى عشر سنوات مضت، في تلك المرحلة التي كانت فيها شوارع قطاع غزة تختنق برائحة السولار المنبعث من المولدات، التي توفر الكهرباء للمحلات التجارية، ولبعض البيوت القادرة على شراء الوقود، في ذلك الوقت احترقت بعض البيوت من ضوء الشموع، ومن المولدات التي تعمل بالسولار، وكان الضجيج يصم الآذان طوال الليل، وكان الظلام والإحباط يغطي حارات قطاع غزة.
في السنوات العشر الأخيرة، انتقلت غزة من مربع البحث عن قطرة ضوء تنير البيوت، إلى مربع البحث عن الزيادة في عدد ساعات الكهرباء، التي تصل إلى البيوت، إذ بلغت 8 ساعات وصل و8 ساعات قطع، مع فترات من التغذية الإضافية، التي تتوفر لدى شركة التوزيع، إضافة إلى طاقة 2 أمبير، التي تزود البيوت بالإضاءة.
لقد تأقلمت حياة الناس في غزة على هذا البرنامج، وسارت الأمور على أمل التحسن في المستقبل، مع إدراك الناس أن نقص الكهرباء جزء من الحصار، وأن أزمة الكهرباء مرتبطة بجملة من المعطيات السياسية والتنظيمية.
جاءت موجة الحرارة الزائدة في هذه الأيام، لتحرك مؤشر البحث لدى المواطن في قطاع غزة عن الكهرباء، بعد أن تلمس نقص ساعات الوصل من جراء زيادة الطلب، ليصير التساؤل عن مستقبل الكهرباء في قطاع غزة، ولماذا لا تكون ساعات الوصل 24 ساعة، دون أي ساعة قطع؟ هذا النقص استغله بعض المتهربين من دفع الفاتورة، ليطعن بفكرة العداد الذكي، وقد نجحت الشركة بالعداد الذكي في ضبط الكثير من عمليات سرقة الكهرباء، وضبطت نسبة كبيرة من الفاقد، التي بلغت 30% من كمية الكهرباء الواصلة لقطاع غزة.
العداد الذكي الذي يتعرض للهجوم، ضبط عملية الدفع المسبق، للكثير من أولئك الذين تهربوا من الدفع بحجة البطالة، وعدم توفر فرصة عمل، والضائقة الاقتصادية، في الوقت الذي تؤكد فيه مجمل الأبحاث والدراسات ـ ووفق معرفتنا الشخصية ـ أن الكثير ممن يتخلفون عن الدفع، هم موظفون، وبعضهم تجار، وبعضهم من أصحاب رؤوس المال، ولكنهم تعودوا على استنزاف الطاقة بلا رقيب، وبلا حسيب.
حديثي هذا لا يتجاهل وجود بعض الحالات الاجتماعية، وبعض المحتاجين، وبعض الأسر المستورة، وقد انتبهت لهؤلاء شركة توزيع الكهرباء، وراعت أحوالهم المادية، وذلك بعد البحث والتحري، والتأكد من عدم قدرتهم على دفع قيمة الكهرباء.
وقد فعلت خيرًا الفصائل الفلسطينية حين استمعت لرئيس هيئة المديرين لشركة توزيع الكهرباء بغزة د. خليل أبو شقفة، وتعرفت من خلال المعلومات والحقائق على تفاصيل العمل في الشركة، وتلمست سلامة الإجراءات بشأن العداد الذكي، ووضعت يدها على مصدر الوجع المتمثل بشركة التوليد، تلك الشركة التي تشكلت في ظروف غامضة، وبهدف الربح الذي سعت إليه بعض الشركات الربحية، وبعض أصحاب النفوذ، شركة التوليد هي المسؤولة عن توفير كمية الكهرباء التي يحتاجها سكان قطاع غزة، ولهذا الشرط تشكلت الشركة، التي بلغت أرباحها ملايين، وملايين الدولارات سنويًا، دون أن تبذل الجهد اللازم لتطوير قدراتها الإنتاجية.
ومن المفارقات الغريبة، أن شركة الكهرباء لا تجبي من مواطني قطاع غزة أكثر من 25% من قيمة فاتورة الكهرباء، لتتكفل المنحة القطرية بسداد قيمة الفاتورة لشركة التوليد في غزة، وللشركة الإسرائيلية.