21.11°القدس
20.82°رام الله
19.97°الخليل
24.69°غزة
21.11° القدس
رام الله20.82°
الخليل19.97°
غزة24.69°
الثلاثاء 15 أكتوبر 2024
4.92جنيه إسترليني
5.32دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.11يورو
3.77دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.92
دينار أردني5.32
جنيه مصري0.08
يورو4.11
دولار أمريكي3.77

خبر: مقتل البوطي

[title]- قدْر البوطي وقدَره.[/title] كم أحزننا أن تكون نهاية البوطي هذه النهاية. وكم آلمنا أن يقتل في ظرف ملتبس كالظرف الذي قتل فيه!. لقد عاش حياة إشكالية ومات ميتة إشكالية. كم مؤلم أن يحسب عالم على طاغية! وكم هو فتنة للجمهور أن يرى العالم النحرير مدافعاً عن مجرم كبير وطائفي حقير، وعميل للاستعمار والصهيونية.. أجير! العالِم على خطى الأنبياء يخرج الناس من الظلمات إلى النور. لا من يقذف بهم في مهمةٍ وديجور! العالم الرباني الحق من يجلي للناس الحق، لا من يلبس الباطل بالحق فلا يعود يرى أو يعلم حق من باطل ولا باطل من حق. وإنما آلمنا وأحزننا أن البوطي من أعلم علماء الشام إن لم يكن من أعلم علماء العالم العربي، بل من أعلم علماء العالم الإسلامي. فللرجل عشرات المؤلفات القيمة والكتب العلمية النافعة والدروس الجامعة الحاشدة.. ويكفي أن نذكر فقه السيرة، وكبرى اليقينيات الكونية، والرد على الماديين والعلمانيين.. وأما لغته فعالية متمكنة متميزة ذات رسوخ وجمال وبيان رائع. ولكن الناس لما رأت منه ما رأت أحرقت كتبه بقطع النظر عما تحوي من معان وكنوز! وامتنعت المكتبات عن بيع كتبه. ولن نتكلم عن منزلته العلمية بصورة وفية في هذه العجالة. فرسالته للدكتوراة في ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية، من أندر البحوث والدراسات.. وقد كان عميد الشريعة لسنوات. وطاف العالم شرقاً وغرباً يقدم المحاضرات والدروس والبحوث والندوات والمؤتمرات. هذا كله شيء. وأن نزن مواقف الرجل السياسية والفكرية في الحياة العملية وما يمس الناس وحياتهم، لنعرف الصواب من الخطأ، والحق من الباطل، فهذا شيء آخر. ولا يحملنا أمر المجاملة على قول كلمة الباطل أو غمط الحق والتغاضي عنه. فمواقف الشيخ من قادة سوريا كانت في غاية السوء. ولن تنفع الذرائع، ولا التبريرات، فهذه تقال وتعرض، عند الله، فتقبل أو لا تقبل، هذا عمله سبحانه، أما نحن فمأمورون أن نفهم وأن نبين وأن نقول ما نعتقد أنه الحق. وقد يقال: إن الشيخ قال ما يعتقد أنه الحق، وقد يخطئ وقد يصيب. ولا بأس أن يقال هذا. لكن وراء هذا القول حقاً موضوعياً لا بد أن يعرف ولا يجهل، ويذكر فلا ينسى، ويشهر فلا يطمس. والحق أن العالِم في الأرض من معالم الحق، به يعرف الصواب، ويتجنب الزلل. فأن يكون هو أرضاً زلقة تزل فيها الأقدام وتتوه الأفهام فهذا ما لا ينبغي بحال أن يكون. وأما التذرع للشيخ بأنه مكره، فهل استمر الإكراه ثلث قرن؟ هذا ما لا يتصور. فموقف الشيخ من الثورة على حافظ معروف. فقد خطأها. وهذا قد يقال عنه اجتهاد. لكن المبالغة في تسفيه الرأي القائل بالجهاد ضده، والمبالغة في الدفاع عن النظام واعتباره أنه من «ولي الأمر» الذين تجب طاعتهم، ولا يجوز الخروج عليهم إلا إذا رأى الناس كفراً بواحاً. وما هو الكفر البواح أكثر مما كان عليه حافظ؟ ولست أبرر لأحد أن يثور أو لا يثور. لكن تطبيق مصطلحات الشرع على أوضاع غير شرعية فهذا خلل، وتنزيل للتنزيل في غير منازله ومحالّه! وأن يقال في تأبين أم حافظ يكفيك ذخراً عند الله يدخلك الجنة أنك أنجبت حافظ الأسد! وتبرير السجود لصورة بشار وقياسها على سجادة الصلاة! فهذا لا يقبل ولا يعقل ولا ينقل! ولا يصلح فيه لا قياس ولا مقايسة! فأين هذا من هذا؟ أين أسجد لبشار من أسجد على صورة بشار!؟ وإن بررنا هذا، فكيف نبرر لا إله إلا بشار! أهذا أيضاً يقاس على السجادة؟ يا أيها الأعزة منازل الناس وأقدارهم لا يجوز أن تعلو على الحق وإحقاق الحق. وبالغاً ما بلغ الأشخاص، فهم يؤخذ من أقوالهم ويرد عليهم، ولسنا حريصين –علم الله- على تجريم أحد أو تجريح أحد. وإنما حرصنا –شهد الله- أن يحق الحق ويبطل الباطل. قدْر الشيخ عظيم وقَدَر الشيخ أن يقتل على يد غدار لئيم زنيم. قدْر الشيخ الكبير كبير لكن خطأ الشيخ وزلته على قدر منزلته. فخطأ العامي ليس كخطأ العالم المجتهد المربي الرباني. والخطأ خطأ على كل حال، لكن جريرة الخطأ تعظم بعظم قدر العالم الذي وقع في الخطأ. أرأيت إلى الإمام أحمد رحمه الله، في فتنة خلق القرآن، عندما وقف في وجه حكام ما زال فيهم بقية من دين ليسوا كهؤلاء المجرمين الطائفيين، ومع هذا راجعه بعض العلماء المخلصين في الترخص لينجو بنفسه لأن الأمة بحاجة إليه وإلى علمه. فقال للذي راجعه: انظر من شباك السجن ماذا ترى؟ قال: أرى خلائق ينتظرون كلمتك. فقال: هل أُضِلّ هؤلاء لأنجو أنا بنفسي؟ وإنما أنقل القصة بلفظي من حفظي ولا أستوثق من الألفاظ فلست بصدد بحث مدقق محقق منمق! أيها الأحباب. وليس مفتاح الجنة بأيدينا ولا بأيدي أحد، ولا مفتاح النار كذلك، حتى ندخل في أيهما من نشاء أو أن نخرج منهما من نشاء، ولسنا حريصين على إخراج عالم مسلم من حظيرة الدين، ولا نحكم عليه، إنما نحكم على تصرفه وموقفه، مثلما وقف هو من غيره إذ خطأهم، فلماذا يحق له أن يخطئ غيره، ولا يحق لغيره أن يصوبه أو يخطئه؟ التعصب مذموم للشخص وضده. والحق أحق بالاتباع ولا أقول التعصب له، وإنما التمسك به، بدل التعصب لأشخاص مهما عظمت أقدارهم العلمية. وعلى كل حال. «فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون» البقرة 113. [title]2- ليس أحد فوق الشرع.[/title] ألم يحكم القرآن على تصرفات بعض الأنبياء بالخطأ؟ ألم يقل عن يونس عليه السلام: «فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون» الصافات 143-144. ألم يقل عن نوح عليه السلام: «فلا تسألن ما ليس لك به علم إن أعظك أن تكون من الجاهلين» هود. ألم يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم كما خاطب إخوانه من النبيين إذ قال: «ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين» الزمر65. ألم يخاطب القرآن نساء النبي بأن عقاب الواحدة منهن مضاعف إن أتت بفاحشة؟ «يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين» الأحزاب30. ألم يخاطب القرآن الصحابي حاطب فيقول: «يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء..» إلى آخر الآيات. وهل الصحابي يراجع والشيخ لا راد لما يقول ولا يجوز أن يراجع؟ لكن السؤال المحير هو: ما الذي حمل الشيخ على ركوب هذا المركب الوعر؟ ما الذي جعل الشيخ يتطاول على العلماء كالقرضاوي وغيره، ويقف محامي دفاع عن الأشقياء الزنادقة المجرمين العتاة الطاغين؟ أعتقد أن وراء ذلك عدة عوامل لعل من بينها: شدة اعتداد الشيخ بعلمه وبرأيه وبنفسه، حتى بات يتوهم أنه مصدر الحق والحقيقة! والأمر الثاني شدة كره الشيخ للإخوان جعلته يتطرف في مواقفه، ويقف بحدة في مضادة مواقفهم. وقد عرفت عدداً ممن حملهم كره الإخوان على اللدد في الخصومة بل الفجور فيها أحياناً. وأمر ثالث أن الشيخ منذ ثلث قرن مثل هذا الموقف وصعب عليه التراجع وتخطئة نفسه، والحكم على تاريخه بالشطب، لأن الخطأ الذي ارتكبه بتمجيد الأسد فظيع شنيع، والتراجع عنه موجع مؤلم لا يطيقه إلا متجرد تماماً وأنى هذا؟ وأمر رابع فيما أرى الثقافة الدينية النظرية الهائلة مع قاعدة ضحلة في وعي الواقع وقد وقف علماء بلدان إسلامية عدة مواقف سيئة في أكثر من بلد في أكثر من ظرف. ولذا فإن وعي الواقع وحسن تنزيل التنزيل على الواقع أمر في غاية الأهمية واللزوم. وتبقى قضايا معلقة خطيرة من مثل من قتل البوطي؟ وهذا ما سنحاوله في حلقة قادمة بإذن الله.