انشغل العالم بالتعديلات القانونية في دولة الاحتلال، وتابعت وسائل الإعلام المحلية والعالمية ما يجري في الشارع الإسرائيلي من حشود المتظاهرين حول الكنيست الإسرائيلي من جهة، ومن حشود المؤيدين لإلغاء قانون المعقولية من داخل الكنيست نفسه، وسيطر الحدث الإسرائيلي الداخلي على الرأي العام العالمي، وكأن الذي يجري داخل الكنيست الإسرائيلي، يتعلق بالنظام الديمقراطي العالمي، ولا يخص مجتمعًا إسرائيليًّا قائمًا على التطرف والعنصرية، وراحت الحكومات التي تقدم الدعم المالي والعسكري والسياسي لدولة الصهاينة، راحت تراقب المعركة القانونية، وتحاول التأثير على مجريات الحدث، حتى وصل الأمر إلى تدخل الرئيس الأمريكي بايدن، ومطالبته رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو بتأجيل التصويت على قانون المعقولية.
التدخُّل في الأوضاع الداخلية للمجتمع الإسرائيلي لم يقف عند حدود تدخل الرئيس، بل الكثير من الكتاب والمفكرين داخل أمريكا وخارجها أدلوا بدلوهم في التعديلات القانونية، بمن فيهم الكاتب المعروف توماس فريدمان، الذي حض على إنقاذ (إسرائيل) من نفسها، وعلى هذا النهج سار الكثير من كتاب الصحف الأجنبية، وهم يحذرون من خطورة تشريع قانون المعقولية، وانقضت الصحف الإسرائيلية، بما في ذلك صحيفة هآرتس على قانون المعقولية، واعترض عليه قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وقادة سياسيون مخضرمون، وأصحاب تجارب، واعترضت شركات، وبنوك، ومؤسسات، مع حملة إعلامية ضخمة تحدثت عن تأثير القرار على تماسك الدولة، وعلى قدرات الجيش الإسرائيلي، الذي هدد الكثير من جنود وضباط الاحتياط بعدم تأدية الخدمة.
وسط هذا الضجيج العالمي والإعلامي، ورغم التدخلات الدولية، والمناشدة الأمريكية، صوتت الكنيست بالأغلبية على قانون المعقولية، وضربت بعرض الحائط الاعتراضات الداخلية والخارجية، في رسالة جريئة وشجاعة من قادة التطرف تقول لكل من يتدخل في الشأن الداخلي الإسرائيلي، بأن المتطرفين الصهاينة هم الأغلبية، وهم أصحاب القرار، وأن المجتمع الإسرائيلي سيد نفسه، ولا يسمح لقوى خارجية، بما في ذلك أمريكا، بالتدخل في الشؤون الداخلية، وهذا لا يعكس قوة الحكومة، وثقتها بقدراتها، واستعدادها لمواصلة التعديلات القانونية، وإنما يعكس ثقة الحكومة بقدرتها على النفاذ إلى داخل المجتمع الأمريكي نفسه، وقدرتها على التأثير على صانع القرار، وعلى مستقبله السياسي داخل أمريكا نفسها، إضافة إلى جاهزية اليمين الإسرائيلية لخوض معاركة الداخلية حتى النهاية، طالما كان مقتنعًا، بأنه يؤسس للدولة اليهودية التوراتية.
(إسرائيل) التي داست بحذاء الإرهاب والتطرف على مجمل القرارات الدولية المؤيدة للقضية الفلسطينية، (إسرائيل) هذه تدوس اليوم بحذاء العنصرية على المعارضة الإسرائيلية نفسها، وتدوس على شعارات الوحدة الداخلية، وهي سائرة في طريق بسط الهيمنة على كل أرض (إسرائيل) التوراتية، والمدخل إلى ذلك تصفية القضية الفلسطينية، وحسم الصراع، وهذه حقيقة يلتف حولها كل الإسرائيليين، بما في ذلك المعارضة، وستكون هذه أولى خطوات تعزيز التلاحم داخل المجتمع الإسرائيلي، ولملمة الصفوف على حساب الشعب الفلسطيني، الذي يقاسي الويلات في كل أماكن تواجده.
اللافت في الأمر، أن العالم الذي يتابع ما يجري داخل (إسرائيل) من تشريع للقوانين الدكتاتورية، ويعترض عليها، ويحذر من نتائجها على المجتمع الإسرائيلي نفسه، هذا العالم يتجاهل كليًّا ما يجري في بلادنا العربية من استبداد ودكتاتورية وتسلط.