لا ينشغل الفلسطينيون كثيراً بأخبار لقاءت القاهرة، فقد تعود الشعب الفلسطيني على مثل هذه اللقاءات، واستمع إلى الكثير من الخطابات عن الوحدة الوطنية، وعن إنهاء الانقسام، وعن الحرص على مصلحة الشعب، وعن مواجهة الاحتلال، وكانت النتيجة بعد كل لقاء فشلًا ذريعًا، وإحباطًا متراكمًا.
وفي القاهرة يلتقي اليوم الأمناء العامون للتنظيمات الفلسطينية مرة أخرى، وبدعوة من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وتحت رعاية القاهرة، وبتشجيع من تركيا وقطر، ولمدة يوم واحد، يوم واحد فقط، فهل ستنجح لقاءات يوم في القاهرة، وقد فشلت لقاءات الجزائر قبل عدة أشهر؟
نتمنى نجاح لقاءات القاهرة، ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه، والمعطيات على الأرض لم تتغير، ومواقف التنظيمات الفلسطينية لم تتغير.
فالمعطيات على الأرض الفلسطينية لم تتغير، فالمواجهات الجماهيرية والتنظيمية والفردية مع الاحتلال الإسرائيلي متواصلة، وتزداد عنفاً، وفي مقابل ذلك، العدوان إسرائيلي يتواصل، واقتحامات المدن الفلسطينية والمخيمات لم يتوقف، وتدنيس المسجد الأقصى لم يتراجع، كل ذلك العدوان الإسرائيلي يترافق مع مواصلة الاعتقالات السياسية من قبل السلطة الفلسطينية.
ولم تتغير مواقف التنظيمات الفلسطينية؛ فما زالت السلطة الفلسطينية ملتزمة بما جاء في اتفاقية أوسلو من اعتراف بـ(إسرائيل)، ورفض المقاومة، والالتزام بما وقعت عليه منظمة التحرير، والاعتراف بالشرعية الدولية، وتشترط تحقيق المصالحة بموافقة التنظيمات الفلسطينية على ما وافقت عليه قيادة السلطة.
وما زالت تنظيمات المقاومة الفلسطينية ملتزمة بمواقفها المعادية لـ(إسرائيل)، ولا تقبل بما قبلت به منظمة التحرير من نبذ للمقاومة، واعتراف بـ(إسرائيل)، وما زالت التنظيمات الفلسطينية تطالب السلطة الفلسطينية بالتوقف عن التنسيق والتعاون الأمني، للتقدم خطوة في اتجاه التوافق الوطني والمصالحة.
فكيف ستلتقي الوفود وهي متباعدة المواقف؟ وكيف سيخرج الوسيط المصري أو التركي أو الجزائري بدسم من هذا الخض؟ أسئلة تصعب الإجابة عنها، ويصعب تشييد أبراج من الأمل، وقد افتقد اللقاء أساسات التقارب والتلاقي.
إنه المشهد الفلسطيني القاتم، ولا مخرج من هذا المشهد إلا بالتوصل إلى صيغة توافق تلتقي على حياضها المتناقضات السياسية، ليكون الحسم من خلال الانتخابات التشريعية والرئاسية، انتخابات نزيهة تحدد نتائجها مسار العمل السياسي الفلسطيني، وذلك إن توافرت النوايا الصادقة، والرغبة الوطنية بالخروج من هذا المنزلق.
انتخابات ديمقراطية تقودنا إلى طريق الوحدة الوطنية الفلسطينية، وما دون ذلك، ستمضي المخططات الإسرائيلية في السيطرة على الأرض دون رادع، ودون المواجهات العنيدة والعنيفة للمحتلين، ستظل القدم الإسرائيلية تدوس على الوجود الفلسطيني، وتسحق مستقبل الأجيال، ودون صحوة جماهيرية لهذا الواقع الفلسطيني البائس سيظل الشعب ممزقاً بولائه وانتمائه وعطائه، وغير قادر على حسم معاركه مع العدو، ليتحمل المسؤولية التاريخية عن مأساة الانقسام كل تنظيم يعرقل طريق الوحدة، ويضع الحواجز والسدود في وجه إرادة شعب يرفض القيود.