في رمضان هذا العام ظهرت حملة دعائية من إحدى شركات المشروبات الغازية لدعم إحدى المشروعات التنموية في مصر؛ وتم استطلاع رأي الجمهور لاختيار واحد من ثلاثة اقتراحات توجه لها الشركة دعمها: المشروع الأول الذي عرف ب"الفستان البمبي" إشارة منه إلى الخير ثم مشروع دعم التعليم وأخيرا دعم الرياضة. وبعد حملة استمرت لمدة ثلاثين يوما، توقع الكثير أن يحظى التعليم بالنسبة الأكبر للدعم نظرا لأهميته ودوره في نهضة البلد، ولكن جاءت المفاجأة ودعم المصريون "الفستان البمبي"، وكأن دعم التعليم لا يعتبر نوعا من أنواع الخير.. ليتحول التعليم إلى مشروع استثماري لا يعترف إلا بلغة واحدة فقط هي لغة المال في ظل غلاء الأسعار وتدهور متوسط دخل الأفراد وانهيار مستوى التعليم الحكومي. [title]المال أولا[/title] فمع بدياة كل عام يطل عبء كبير على كاهل اولياء الأمور الذين اتجه معظمهم إلى المدارس الخاصة واللغات؛ ألا وهو المصروفات الدراسية، خصوصا مع التزايد المستمر في بنودها التي اتسعت لتشمل: مصروفات المدرسة، والأتوبيسات، والزي المدرسي الذي أصبح يتغير كل عام ولا يتم بيعه إلا عبر إدارة المدرسة، والكتب، والرحلات، والأنشطة، و...، وغيرها العديد من الابتكارات المختلفة التي تفنن فيها المدارس لتظل الأسرة تدفع حتى ينتهي العام الدراسي. تقول كوثر والدة زياد (10 سنوات): رغم دفعي مصاريف طفلي للعام الدراسي السابق وحصولي على إيصال يؤكد ذلك، إلا أنني حين ذهبت لدفع المصروفات الجديدة وجدت أن مصروفات العام الماضي لم تنتهي بعد حسب رؤية المدرسة، رغم علمهم أننا نتعب كثيرا حتى نستطيع تسديد الأقساط لهم. وتضيف: التعليم في مصر أصبح سياسي استثماري أكثر منه بنائي ولم يعد هناك اهتمام به كما كان في السابق حيث تغيب عنه الرقابة الحكومية خصوصا من جانب وزارة التربية والتعليم. وتحكي سمر والدة مالك (5سنوات): فوجئت بعد شهر واحد من انتهاء السنة الدراسية باتصال المدرسة بنا لدفع نسبة من مصروفات العام القادم وإلا لن يجد طفلي مكاناً له، كما أنهم قاموا بتغيير الزي المدرسي رغم أنني كنت أحاول الاستفادة منه لفترة من الوقت. وتشكو أم عمار من ظاهرة الاستغلال المادي في المدرسة التي ألحقت طفلها ذي الست سنوات بها، حيث تقول: مدرسة طفلي طلبت نسبة من مصاريف السنة الدراسية الجديدة بعد انتهاء امتحانات السنة مباشرة، وهو أمر لم يكن في الحسبان، ولكنه كان واقع مفروض من المدرسة ولا بد أن ينفذ وإلا لن أجد لعمار مكان. الأمر يلم ينته عند ذلك؛ فمع قرب العام الدراسي فوجئت أم عمار برفض المدرسة تسليم الكتب للطفل إلا بعد دفع المصروفات كاملة في صيغة بدت وكأنها تهديد للأولياء الأمور، وبالطبع استجاب العديد من أولياء الأمور للمدرسة من أجل مصلحة أطفالهم. ويقول سيد والد ملك (4 سنوات): المصروفات الدراسية أصبحت عبء كبير على دخل أي أسرة مصرية عادية في ظل ظروف هذا العصر، ولم يعد للمدارس الحكومية مكان كما كان في السابق، وأصبحنا نبحث عن المدارس الخاصة المعروفة والدولية لنجد منهج مناسب يصل إلى أطفالنا، وهنا تبدأ المصاريف من 10 ألاف لتصل إلى 120 ألف في المدارس الدولية في حين أن دخلنا العادي لا يزيد عن 2000 جنيه، إنها معادلة صعبة التحقيق. ويذكر سيد: ها أنا أضع قدمي على بداية السلم ولا أعرف كيف سأكمل الطريق خصوصا أن لدى طفل آخر لن تمضي سنتين حتى أبحث له عن مدرسة مناسبة. أما هبة والدة زياد (5سنوات) فتقول: ألحقت طفلي بمدرسة كان شعارها الأول أنها مدرسة غير هادفة للربح، ولكنه كان شعار لا يمت للحقيقة بصلة، فالمدرسة تربح من وراء أولياء الأمور بكل ما تستطيع من الطرق، بداية من المصروفات المدرسة العادية حتى الكتب والزي المدرسي الذي يتغير سعره وشكله من عام لآخر، بالإضافة إلى أفكار كثيرة تبتكر فقط للحصول على الأموال. وتعتقد هبة أن السبب وراء هذا الأسلوب المتبع أن أولياء الأمور يستجيبون لكل ما يحدث لهم، ظناً منهم أنهم لو تركوا المدرسة فستجد المدرسة غيرهم الكثير فهي لديها أسماء كثيرة في قائمة الانتظار. "أعتبر نفسي من المحظوظين".. هكذا قال ياسر والد عاصم (10سنوات) وبلال(7 سنوات): فلقد اخترت مدرسة حكومية أراها مناسبة، بها مدرسين لازالوا يحافظون على شرف المهنة، بينما أقوم أنا ووالدتهم بالمتابعة المستمرة في المدرسة وأيضا هناك متابعة مستمرة في المنزل وأحمد الله كثيرا على مستوى أطفالي. [title]مشروع قومي[/title] "الاستثمار في الإنسان ليس ترفاً فكرياً بل ضرورة يقتضيها الواقع المعاش؛ فكيف أبني المصانع دون أن أبني العامل، كيف أقيم صرحاً طبياً عملاقاً دون أن أبني طبيباً مؤهلاً خلقياً وعلمياً، أي تقدم مادي لا يوازيه تقدم بشري سيذهب أدراج الرياح".. كلمة قالها د.محمد سليم العوا مؤيداً بها أهمية الاستثمار في الإنسان الذي سيبني الدولة بمشروعاتها ومبانيها ومصانعها. وإذا كنا نسعى بعد الخامس والعشرين من يناير لبناء مصر التي ستواكب الدول المتقدمة؛ فلابد أن تتبنى مشروع قومي للنهوض بالتعليم لنخرج به من الهوة السحيقة التي وقع بها، ونسعى من خلال هذا المشروع لتطوير المناهج، وتدريب المعلم وتحسين وضعه المعيشي حتى يستطيع أن يقوم بواجبه كاملا في المدرسة، بالإضافة إلى الاهتمام بإدخال التكنولوجيا الحديثة إلى وسائل التعليم، والعمل على دعم روح الابتكار والإبداع لدى الطالب بدلا من الاعتماد على حشو رأسه فقط من أجل النجاح في الامتحان. ولنا في اليابان خير مثال على ذلك حيث طورت النظام التعليمي الخاص بها بعد الهزيمة في الحرب العالمية الثانية وأرسلت البعثات إلى الخارج والجميع يشهد لها الآن بتقدمها وتطورها.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.