شهد اجتماع المجلس الوزاري الإسرائيلي للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت)، الذي عُقد الليلة الماضية في "الحفرة"، وهي مكان محصّن تحت الأرض في مقر وزارة الأمن في تل أبيب، نقاشات حادّة وخلافات تتعلق بقضية اغتصاب جنود الاحتلال الإسرائيلي معتقلاً فلسطينياً في معسكر سدي تيمان سيئ الصيت. وليست الخلافات في سياق استنكار واقعة الاغتصاب نفسها، وإنما بسبب حسابات إسرائيلية أخرى، منها خارجية وأخرى داخلية وحول أساليب حماية الجنود، علماً أن الاجتماع عُقد بالأساس لمناقشة رد إيران وحزب الله اللبناني المحتمل على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، والقيادي في حزب الله فؤاد شكر في بيروت أواخر الشهر الماضي.
ومن أسباب الخلافات، تخوّف رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي هرتسي هليفي وآخرين من تأثير واقعة الاغتصاب على الإجراءات والدعوات ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، فيما لا يكترث بعض الوزراء لذلك. وسمُع مرة أخرى خلال الجلسة التقييم الإسرائيلي بأن حزب الله سيكون أول من يرد، فيما اعتبر هليفي أنه من المهم طرح قضايا أخرى للنقاش، منها اقتحام مستوطنين، إلى جانب وزراء وأعضاء في الائتلاف الحاكم، قاعدتي سدي تيمان وبيت ليد العسكريتين احتجاجاً على اعتقال جنود الاحتلال المشتبهين بالاغتصاب ودعماً لهم.
وعبّر بعض الوزراء، منهم وزيرة المواصلات ميري ريغيف، عن دهشتهم لطرح رئيس الأركان الموضوع للنقاش. وسألته ريغيف مستغربة، بحسب ما نشرته وسائل إعلام عبرية اليوم الجمعة: "أيضاً بمبادرة منك (يُطرح الموضوع للنقاش)؟". وأجاب هليفي: "بالتأكيد، من الأفضل دائماً المبادرة". وأوضح أنه كان من المهم بالنسبة له إثارة الموضوع لأن بعض الوزراء لم يدينوا حتى هذه الأفعال، في إشارة إلى الاقتحامات وإشاعة الفوضى وليس الاغتصاب. وأضاف: "أتوقع من الوزراء التحدّث ضد التسلل إلى القواعد العسكرية. عندما نتلقى معلومات عن أشياء غير لائقة في الجيش الإسرائيلي، ماذا تتوقعون منا أن نفعل؟".
وتساءل الوزراء لماذا كان عناصر الشرطة العسكرية ملثمين عند اعتقال الجنود، فيما تطرق هليفي إلى التهديدات ضد المحققين. وقال وزير القضاء ياريف ليفين: "منذ أكثر من عام يهددون (يقصد الإسرائيليين المناهضين للحكومة وتشريعاتها) حياتي وحياة رئيس الحكومة، ولكننا لا نتنقّل مع أقنعة". وتساءل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير: "هل هذه هي الطريقة؟"، ليرد هليفي: "هذه هي الطريقة لحماية جنود الجيش الإسرائيلي. أفضل طريقة للقيام بذلك هي ألا يقوم الجيش الإسرائيلي بإدارة سجون، وعلى من يقع ذلك تحت مسؤوليته أن يفعل ذلك (في إشارة إلى بن غفير الذي تعتبر إدارة سلطة السجون ضمن صلاحياته). الجيش الإسرائيلي لا يريد إدارة سجون".
"تغلق فمي وتتوسلون إلى لاهاي"
وحاول بن غفير في تلك اللحظة مقاطعة كلام هليفي والرد عليه، لكن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو منعه من ذلك: "الآن لن تتحدث. هذا ليس وقتك للحديث. الآن هو يتحدث. سوف تتحدث عندما يأتي دورك". لكن بن غفير لم يصمت ورد على نتنياهو: "أنت تغلق فمي (تسكتني بالقوة). نعلم جميعاً أنكم أجريتم تحقيقاً (مع الجنود) من أجل التوسّل إلى (المحكمة في) لاهاي"، مضيفاً: "أنت لن تسكتني". وأضاف:" عليكم الاعتراف بالحقيقة، أغلقتهم سدي تيمان بسبب لاهاي. أنتم تخشون الضغط (الخارجي) مجدداً".
وتحدث هليفي عن حالات تخللها تحريض من قبل إسرائيليين عبر شبكات التواصل الاجتماعي ضد محقق في الشرطة العسكرية الإسرائيلية، كما نُشرت صور لضابطات في النيابة العسكرية. وقال هليفي: "أنا أتحدث عن هذا هنا، لأنه قبل بضعة أيام، نُشر عبر الشبكة أنه يجب إلصاق مسدس برأس محقق في الشرطة العسكرية ونُشرت صور لضابطات في النيابة العسكرية". وشبه عدد من الوزراء مرة أخرى التحريض ضد الجنود بالتحريض ضد نتنياهو، وقالت ريغيف: "رئيس الحكومة يتعرض لهذا يومياً".
وعبّر وزير الأمن يوآف غالانت عن صدمته من النقاش الدائر: "لا أصدّق ما أسمع. تحوّلون جنوداً يبلغون من العمر 19 عاماً إلى أعداء، أين نعيش؟". وقال هليفي إنه "إلى جانب موقفنا نحن القادة (في الجيش)، يجب أن يكون هناك موقف من قبل القيادة (السياسية)". وانتقد نتنياهو رئيس الأركان وقال إنه لا يقبل توجيه مواعظ للوزراء: "مثل ما أنك لا تريد معاملة كهذه للجيش الإسرائيلي، فليس من وظيفتك الوعظ للوزراء". ورد هليفي: "أنا لا أعظ. أتوقع منكم أن تشجّعونا على التعامل مع الحالات الخطيرة، وليس العكس".
ولخص نتنياهو النقاش مدعياً أنه يجب التحقيق في الأحداث: "نحن دولة قانون وإذا خالف أحد القانون فيجب التحقيق معه. المشكلة هي في طريقة العمل، لأننا لسنا في وضع طبيعي.. يجب فهم الأمور أكثر. لا يوجد مكان لاقتحام القواعد العسكرية والمحاكم. وعلى الجيش العمل وفق القانون. كان من الأصح إبداء مرونة أكبر، بين الحاجة لعدم تنسيق (الجنود) إفاداتهم، وبين إشعال المسألة".