تخاذلت الأنظمة العربية عن الدعم الجدي والقطعي لأهل غزة، واكتفوا بإصدار بيانات الشجب والإدانة للعدوان الإسرائيلي، ووصل الأمر ببعض البلاد العربية أن أرسلت طائراتها لإلقاء المساعدات الغذائية لأهل غزة، في الوقت الذي كان يتوجب أن ترسل مقاتلاتها لفك الحصار عن غزة، ولجم العدوان.
تخاذلت الأنظمة العربية عن نصرة غزة، وحسبت أن معركة غزة محسومة لصالح الإسرائيليين، وأن النار المتقدة في غزة ستنطفئ مع الزمن، وكفى الله العرب شر القتال، ولم يدر في خلد الأنظمة العربية أنهم مستهدفون مثل غزة تماماً، وان غزة لا تحارب من أجل غزة بمقدار ما تحارب المخططات الصهيونية والأمريكية في المنطقة.
صمدت غزة في معركة طوفان الأقصى، وانجلت المعركة عن نتائج لم ترض أمريكا، ولم تعجب إسرائيل، وأربكت الحسابات السياسية الغربية في المنطقة، هذه الحالة من الفشل والعجز العسكري الإسرائيلي، الذي كان مدعوماً بترسانة الأسلحة الأمريكية بكل جبروتها، عجزت عن الانتصار على أهل غزة، وهذا هو السبب الذي حرك الرئيس الأمريكي لنصرة الإسرائيليين، وذلك بعدم الاكتفاء بتقديم الدعم المالي والمادي والعسكري والسياسي والدبلوماسي، وإنما قدم مقترح تهجير أهل غزة إلى الأردن ومصر.
فكرة تهجير أهل غزة تعني في العلوم السياسية إقرار أمريكي وإسرائيلي بالعجز والفشل العسكري عن حسم المعركة الميدانية في غزة، والإقرار بأن المخطط الإسرائيلي في السيطرة على أرض غزة بالقوة العسكرية قد فشل فشلاً ذريعاً بعد 471 يوماً من حرب الإبادة الجماعية، فجاءت فكرة تهجير أهل غزة، واقتلاعهم من ارضهم، متممة لفكرة الجنرالات التي فشلت في شمال قطاع غزة، وعجزت عن القضاء على المقاومة من خلال القضاء على مقومات الوجود الفلسطينية، فجاء ترامب ليطور الفكرة، من اقتلاع سكان شمال غزة إلى اقتلاع سكان كل غزة، ومن تطبيق فكرة السيطرة على شمال قطاع غزة بهدف تصفية المقاومة، إلى فكرة السيطرة على كل أرض غزة، والهدف النهائي هو السيطرة على أرض غزة بأمن وسلام ودون مقاومة.
الأنظمة العربية التي تخاذلت عن نصرة غزة، وحسبت أن المعركة لن تطول، وأنها محسومة لصالح القوى العظمى، وأن إسرائيل ستسيطر على أرض غزة، وتقيم حكماً عسكرياً، وتنهي المقاومة، هذه الحسبة العربية باءت بالفشل، وظلت غزة صامدة، ولم تنكسر شوكة المقاومة، ولم يدر في حساب الأنظمة العربية أن معركة طوفان الأقصى التي وصلت إلى اليمن وإيران وسوريا والعراق ولبنان، ستصل إلى الأردن ومصر والسعودية من خلال التهجير، أو من خلال التهديد بإقامة الدولة الفلسطينية على الأراضي السعودية، كما صرح بذلك نتانياهو، ولم يخطر في بال الحكومات العربية بأن الفشل الإسرائيلي في حسم المعركة، سيعبر بمعركة طوفان الأقصى ـ من خلال التهجير ـ إلى الأردن ومصر والسعودية، وما سيجر التهجير من مخاطر ومشاكل واختلال ديمغرافي وسياسي داخل البلدين العربية وعلى كل المستويات.
الأنظمة العربية التي حسبت أنهم بمنأى عن معركة طوفان الأقصى، ولم تتخذ مواقف عملية وحدية لوقف العدوان، اكتشفوا اليوم أنهم في قلب المعركة، لذلك كان التداعي لعقد مؤتمر قمة عربي في القاهرة بتاريخ 27 فبراير/شباط الحالي، وذلك لاتخاذ موقف عربي موحد، يحتمي بقراراته الملوك والرؤساء العرب، ويدافعون عن مواقف بلدانهم من خلال تبني قرارات مؤتمر القمة؛ التي سترفض فكرة تهجير أهل غزة، وتدعو إلى تثبيت وقف إطلاق النار، وتطالب المجتمع الدولي بالإعمار.
مؤتمر القمة العربي لن يعقد قبل لقاء الملك الأردني عبد الله مع ترامب، ولن يعقد قبل لقاء الرئيس المصري مع ترامب، وفي كلا اللقاءين سيكون تهجير أهل غزة هو العنوان الرئيسي للحوار، وستكون قرارات مؤتمر القمة هي خشبة الخلاص، أو هي الفيصل في رد القيادات العربية على مقترح الرئيس الأمريكي، قبل أن يتحول إلى خطة عمل.
مؤتمر القمة العربي الذي تلكأ في نصرة أهل غزة، وتأخر عن موعده 16 شهراً، قد يكون أهم واخطر مؤتمر قمة عربي، وذلك لأنه وضع الملوك والرؤساء العرب أمام مسؤولياتهم، وواجباتهم، ووضعهم على منزلق التاريخ المتحرك بلا شفقة.