استأنفت "إسرائيل" حربها على قطاع غزة، بعد شهرين من إعلان وقف لإطلاق النار في القطاع، وكانت "إسرائيل" وحركة "حماس" توصلتا إلى اتفاق، في 19 يناير/كانون الثاني الماضي، لوقف إطلاق النار، يتضمن ثلاث مراحل، وكان من المفترض أن يستمر بشكل دائم بمجرد الدخول في مرحلته الثانية.
وبعد عودة الحرب على قطاع غزة، يزداد الوضع تعقيدا بشكل متسارع، بعدما كانت الهدنة قد فتحت أبواب الأمل لنهاية الحرب، ونهاية معاناة المواطنين المستمرة، وأدت الحرب على قطاع غزة إلى نزوح جديد، وشح المساعدات الإنسانية التي تصل إلى القطاع، وزيادة معاناة السكان، وبات عليهم المحاولة في كل يوم للحصول على القليل من الغذاء والماء، وسط كارثة إنسانية وصحية مستمرة هناك.
أزمة المياه تعمق معاناة النازحين
ومع استئناف الحرب العسكرية الإسرائيلية على القطاع، خسر مئات الآلاف من سكان قطاع غزة مصدرهم الوحيد للمياه النظيفة وغير النظيفة، إثر قيام إسرائيل بقطع التيار الكهربائي عن محطة تحلية المياه الرئيسية وقطع الإمدادات القادمة من شركة المياه الإسرائيلية.
ويضطر معظم النازحون في القطاع، للمشي لأميال في بعض الأحيان للحصول على قدر ضئيل من المياه، وفي خان يونس جنوبي القطاع، يقطع الطفل، يزن محمود، مسافة كبيرة ثلاث مرات يوميا، للحصول على الماء.
وقال الطفل يزن: كل يوم أقوم بنفس العمل في الصباح، وأقطع مسافة كبيرة مشياً على الأقدام، كي أحصل على المياه، ونحن عائلة مكونة من 7 أفراد، ونحتاج إلى ثلاثة أضعاف الكمية التي أحملها الآن، لذلك أضطر للعودة ثلاث مرات يوميا، لتوفير المياه، وقد باتت هذه المهمة من أصعب المهام الصباحية الشاقة التي أقوم بها.
وأضاف: "المياه المتوفرة غير نظيفة ومالحة، وقبل الحرب كنا لا نشعر بهذا التعب وكانت المياه متوفرة، وبتكلفة قليلة، لكن الآن أمنيتي أن تتوفر المياه حتى لا أشعر كل يوم بنفس التعب والمشقة للحصول على المياه، وأتمنى أن أعيش مع عائلتي دون خوف أو موت، أو نموت كلنا".
واضطرت بلديات محلية في غزة إلى تقنين كميات المياه الواصلة إلى منازل المواطنين وخيام النازحين الواقعة في نطاقها، لمواجهة أزمة نقص الوقود الناجمة عن الإغلاق الإسرائيلي المشدد لمعابر ومنافذ القطاع منذ شهر ونصف.
وتصل المياه للسكان عبر شاحنات مخصصة لذلك مرتين في الأسبوع، ويصطف النازحون في طوابير طويلة من أجل تعبئة المياه، حيث تنقل المياه بأواني الطعام والخزانات الصغيرة، وفي مركز إيواء بخان يونس جنوبي القطاع، يحاول النازحون الوصول إلى عربات المياه لتعبئة جالونات المياه، ويضطرون للسير لمسافة طويلة، والكمية التي يحصلون عليها لا تكفي لعائلة واحدة.
ويقطع النازح، محمد عبد الرزاق، مسافة 3 كيلو مترات يوميا للحصول على المياه، من أقرب نقطة تصل إليها عربات المياه، وقال محمد: "نزحنا من غزة إلى رفح ، ومن ثم نزحنا إلى خان يونس، والآن نعاني من أزمات تتراكم فوق بعضها، ومنها المياه التي باتت مهمة صباحية شاقة للصغار والكبار، وكمية المياه التي أحصل عليها لا تكفي ليوم واحد، لكني مضطر كما بقية النازحين، لمواجهة الظروف الحالية، وأمشي على قدمي مسافة 3 كيلو متر حتى أصل إلى عربة المياه، ومن ثم أقطع نفس المسافة للعودة إلى عائلتي، وهذا حال غالبية النازحين في هذه المنطقة".
وأما الحاج، جبر إسماعيل، فلا يستطيع الوصول إلى عربة المياه، بسبب كبر سنه، وينتظر من يساعده من الجيران، وقال النازح جبر إسماعيل لوكالة "سبوتنيك": "لا يوجد مياه، نحن نواجه كارثة، حتى الأواني لا نستطيع غسلهم، ونقوم باستخدام الرمل لتنظيف الأواني، ثم إعادة استخدامهم، ولا نعرف كيف نعيش أو نواجه الظروف الحالية، فهي ليست حياة بل هي موت".
ويرجع مختصون أسباب تفاقم أزمة المياه في القطاع، إلى عدة أسباب منها، تدمير الجيش الإسرائيلي لآبار المياه والشبكات الأرضية، وقطع خط المياه الرئيسي الواصل إلى عدة محافظات، إضافة إلى نقص الوقود اللازم لتشغيل الآبار والمولدات الكهربائية.
وخلال الحرب دمر الجيش الإسرائيلي مصادر المياه في مناطق عملياته العسكرية، كما أقدم على قصف وتفجير الآبار الرئيسية التي تزود الآلاف من العائلات بالمياه الخاصة بالاستخدام اليومي، ما تسبب بخروجها عن الخدمة.
وخلال الشهر الماضي، أفاد بيان مشترك صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني وسلطة المياه بأن أكثر من 85% من مرافق وأصول المياه والصرف الصحي في غزة أصبحت خارج الخدمة بشكل كلي أو جزئي.
وقال مسؤولون فلسطينيون ومن الأمم المتحدة إن معظم محطات تحلية المياه في غزة إما تضررت أو توقفت عن العمل، بسبب قطع إسرائيل لإمدادات الكهرباء والوقود.
وأكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن "الاستهداف الإسرائيلي المتواصل والواسع النطاق لمصادر المياه ومحطات التحلية في القطاع، يظهر أن إسرائيل تتخذ من التعطيش سلاحا آخر ضد المدنيين الفلسطينيين".
وأوضح المرصد الحقوقي أن إسرائيل تعتمد تقليص مصادر المياه المتاحة لسكان غزة، وخاصة المياه الصالحة للشرب، وتفرض المجاعة وتتسبب في إهلاك أكثر من 2.4 مليون نسمة.
وبحسب متحدث الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، توماسو ديلا لونغا، فإن نقص المياه في غزة يؤدي إلى ارتفاع معدلات الأمراض، لا سيما بين الأطفال.
ويواصل الجيش الإسرائيلي حربه على قطاع غزة، والتي بدأت بعد أحداث، السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وارتفع عدد القتلى منذ بداية الحرب على القطاع، إلى51,000 قتيل غالبيتهم من النساء والأطفال، وإصابة 116,343 آخرين.
وفي 7 أكتوبر 2023، شنّ مقاتلون من حماس هجوما على جنوب "إسرائيل" أدى لمقتل 1200 إسرائيلي، وفقا لبيانات إسرائيلية رسمية، ورداً على هجوم حماس، تعهدت إسرائيل بـ "القضاء" على الحركة، واستعادة الأسرى.