قال الأستاذ المحاضر في الدراسات الإيرانية والعلاقات الدولية، الدكتور علم صالح، إن "طهران قد تمتلك قنبلة نووية قبل نهاية العام الجاري، خاصة إذا تجدّد التصعيد العسكري وفشلت الجهود الدبلوماسية المأمولة"، مؤكدا أن "البنية التحتية النووية الإيرانية لم تُدمَّر بالكامل جراء الضربات الإسرائيلية والأمريكية"، مرجّحا أن تستعيد إيران قدراتها التقنية خلال الأشهر القليلة المقبلة.
وأضاف، أن "الضغوط السياسية والعسكرية المتصاعدة على طهران قد تدفعها إلى تجاوز ما يُعرف بالخطوط الحمراء، والتوجّه نحو مرحلة الردع النووي الكامل، كخيار استراتيجي لحماية أمنها القومي في مواجهة تهديدات خارجية خطيرة لا تزال قائمة إلى الآن".
وأوضح صالح أن "الهجوم الإسرائيلي-الأمريكي على إيران شكّل تصعيدا غير مسبوق في معادلة الصراع، وحمل أبعادا تتجاوز الأهداف العسكرية التقليدية"، معتبرا أن "الضربات الأخيرة لم تكن فقط لمحاولة تقويض البرنامج النووي الإيراني، بل جاءت مُحمّلة برسائل سياسية وأمنية تهدف إلى إعادة تشكيل موازين القوى في الإقليم، وإضعاف القدرات الردعية الإيرانية، وربما التأثير في التماسك الداخلي للنظام".
وأشار إلى أن "الضربات استهدفت منشآت نووية بعينها، لكنها لم تنجح في إنهاء البرنامج النووي الإيراني فعليا"، مُشدّدا على أن "البرنامج النووي يتمتع بمرونة جغرافية وبنية تحتية موزعة ومُحصّنة جدا، إلى جانب امتلاك إيران للخبرة الفنية والعلمية اللازمة لإعادة بناء ما تم تدميره، ما يجعل الأثر تكتيكيا ومؤقتا، ولا يرقى إلى التدمير الاستراتيجي الذي روّج له الجانب الأمريكي والإسرائيلي".
الالتفاف حول النظام الإيراني
وذكر صالح أن "التداعيات السياسية والأمنية لهذا العدوان كانت أعمق بكثير، رغم محدودية الخسائر المادية"، مؤكدا أن "الحدث عزّز الشعور الوطني داخل إيران، وأدى إلى حالة من الالتفاف الشعبي الملموس حول النظام الإيراني، وهو أمر يتكرر تاريخيا عند تعرض البلاد لهجمات خارجية، وبالتالي فهذا التأثير قد يُترجم إلى دعم داخلي متجدد للمؤسسة الحاكمة، رغم التحديات الاقتصادية والاجتماعية".
وأشار إلى أنه "بعد 12 يوما من الحرب، أتضح أن إسرائيل لم تحقق الأهداف التي رسمتها، وهي تغيير النظام الإيراني أو حتى منع طهران من الحصول على القنبلة النووية"، مؤكدا أن "إيران الآن تمتلك البنية التحتية الذرية اللازمة لذلك، بما في ذلك كميات كبيرة من اليورانيوم المخصب في أماكن سريّة لا يمكن لأحد الوصول إليها".
وأوضح الأكاديمي الإيراني، أن هذه الكميات موجودة حاليا في مواقع غير معروفة مطلقا داخل إيران، وقال: "قبل الحرب كان هناك مفتشون ومراقبون دوليون على هذه النشاطات النووية، أما الآن، فإن الغرب فقد هذه الميزة، أي الرقابة على النشاطات الإيرانية".
ولفت إلى أن "أهداف الحرب الإسرائيلية- الأمريكية فشلت تماما في تغيير سياسات إيران أو دفعها لتغيير خطوطها الحمراء"، مشيرا إلى أن "إيران الآن تعزّز الآن من شروطها في حال العودة إلى طاولة المفاوضات، وعلى رأسها الإصرار على بقاء تخصيب اليورانيوم داخل الأراضي الإيرانية كأحد الخطوط الحمراء التي لن تتخلى عنها".
وشدّد على أن "طهران لن تقبل أبدا الطلب الإسرائيلي والأمريكي بوقف تخصيب اليورانيوم داخل إيران، لأنها لا تثق بهما مطلقا، كما لم تثق بهما في السابق، خاصة أن العدوان عليها جرى قبل يومين فقط من الجولة السادسة للمفاوضات الإيرانية-الأمريكية".
فشل الحلول العسكرية
وأضاف صالح: "فشلت إسرائيل وأمريكا معا في تحقيق أهدافهما. ويبقى الآن أن نرى إن كانت الدبلوماسية قادرة على حل هذه المعضلة، لأن الحلول العسكرية فشلت تماما ولن تنجح يوما ما".
وأشار إلى أن "الرد الإيراني على الهجمات الإسرائيلية والأمريكية كان محسوبا ومدروسا بعناية، ويتماشى مع معادلة الردع المتبادل دون الانزلاق إلى حرب شاملة"، لافتا إلى أن "الضربات الإيرانية على أهداف إسرائيلية جاءت لتأكيد القدرة على الرد، وتثبيت خطوط حمراء جديدة، في محاولة لإعادة التوازن في ميزان الردع".
وأردف أن "إسرائيل اتبعت سياسة إعلامية صارمة قامت على التعتيم الجزئي بشأن حجم الأضرار والخسائر التي لحقت بها، لحماية صورة التفوق العسكري، ومنع إيران من تحقيق انتصار رمزي في ساحة الحرب النفسية".
وقال إن "السلوك الإسرائيلي أظهر بوضوح أن الأهداف تجاوزت منع إيران من امتلاك سلاح نووي، بل تعلق الأمر بمحاولة إضعاف - أو إسقاط - النظام الإيراني ذاته"، لكنه رأى أن "إسقاط النظام الإيراني من خلال الوسائل العسكرية يبدو غير واقعي بالمرة في ظل الظروف الحالية؛ نظرا لتعقيد البنية السياسية والاجتماعية، وقدرة النظام على امتصاص الصدمات الخارجية".
تعقيد فرص الرقابة الدولية
وتوقع صالح أن تشهد العلاقة بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية تدهورا حادا بسبب هذه الأحداث الأخيرة، قائلا إن طهران "قد تُقلّص مستوى التعاون أو تعلّقه بالكامل كجزء من ردّها السياسي على ما تعتبره اعتداءً صارخا على سيادتها، ما سيزيد من تعقيد فرص الرقابة الدولية ويُضعف أدوات الدبلوماسية النووية".
أما بشأن مستقبل مفاوضات الاتفاق النووي، فقد اعتبر أنه "يبدو قاتما"، مشيرا إلى أن "الثقة الإيرانية في جدوى المسار الدبلوماسي تراجعت بشكل كبير جدا، وقد نشهد انسحابا كاملا من المفاوضات، خاصة إذا تجدّد التصعيد العسكري مرة أخرى، لأن إيران باتت ترى أن العودة إلى منطق الردع الصلب أضمن من التعويل على الوساطات الدولية غير الفاعلة".
كما لم يستبعد صالح احتمال انسحاب إيران من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، وقال إن ذلك "أمر محتمل في المستقبل، خاصة إذا فُرضت عقوبات جديدة على طهران على غرار ما فعلته كوريا الشمالية سابقا"، مشيرا إلى أن "إيران ربما تصبح الدولة العاشرة في العالم التي تملك سلاحا نوويا قريبا؛ فالحرب أعطت قوة أكبر لإيران لكي تصبح قوة نووية حقيقية، وستجعلها أكثر تشدّدا في أي مفاوضات مقبلة".
وتابع: "إيران لا تزال تحتفظ بعدد من الأوراق الاستراتيجية التي لم تُستخدم بعد في حال تفاقم وتعقد الأوضاع من جديد، من أبرزها التلويح بإغلاق مضيق هرمز، وهو خيار يحمل مخاطر هائلة على الاقتصاد العالمي وسيؤدي إلى تدخلات دولية مباشرة. كما أن أدواتها في اليمن والعراق ولبنان وسوريا لا تزال فعّالة وقادرة على إرباك الخصوم عند الحاجة. كذلك، يبقى تصعيد وتوسيع البرنامج النووي خيارا مفتوحا للرد السياسي والتقني".
احتمالات تجدّد المواجهات
ورأى صالح أن "احتمالات تجدّد المواجهات مرة أخرى لا تزال قائمة"، وقد تتطور إلى تصعيد يستمر "لعدة أيام أو حتى أسابيع، خاصة إذا تواصلت الضربات المتبادلة"، مضيفا: "في حال طال أمد التصعيد مستقبلا، زادت فرص التورط الإقليمي ودخول أطراف أخرى في المعركة".
واستطرد قائلا: "رغم أن إيران لا تملك القدرة على لجم الولايات المتحدة أو إسرائيل بشكل كامل، إلا أنها قادرة على فرض كلفة باهظة ومؤثرة جدا لأي عدوان، وهو ما جعل خيار الحرب الشاملة أقل جاذبية للطرفين".
وفي 13 حزيران/ يونيو الجاري، شنّت إسرائيل بدعم أمريكي عدوانا على إيران استمر 12 يوما، شمل مواقع عسكرية ونووية ومنشآت مدنية واغتيال قادة عسكريين وعلماء نوويين، وأسفر عن 606 قتلى و5 آلاف و332 مصابا، وفق وزارة الصحة الإيرانية.
وردت إيران باستهداف مقرات عسكرية واستخبارية إسرائيلية بصواريخ باليستية وطائرات مسيّرة، اخترق عدد كبير منها منظومات الدفاع، ما خلّف دمارا وذعرا غير مسبوقين، فضلا عن 29 قتيلا و3 آلاف و345 جريحا، حسب وزارة الصحة وإعلام عبري.
نسف كل الخطوط الحمراء
وتعليقا على التصريحات السابقة التي قالها وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي يسرائيل كاتس، من أن "طهران ستحترق إذا استمرت في إطلاق الصواريخ ضد إسرائيل"، قال صالح: "مثل هذه التصريحات تندرج في إطار التصعيد اللفظي الذي يخدم الأجندة الداخلية في إسرائيل، لكنها عكست في الوقت ذاته هشاشة الوضع الإقليمي وقابلية الانزلاق نحو حرب أوسع في أي مرحلة".
وحذّر من أن "احتمال تنفيذ عملية اغتيال تستهدف المرشد الإيراني، علي خامنئي، في أي وقت سيُعد تصعيدا بالغ الخطورة وينسف كل الخطوط الحمراء"، مؤكدا أن الرد الإيراني سيكون حينها "واسع النطاق وغير قابل للضبط على الإطلاق، ما قد يغيّر شكل الصراع في المنطقة بشكل جذري، وسيؤدي لتداعيات وخيمة على الجميع".
وأشار صالح إلى أن "ردود الفعل العربية والإسلامية من الحرب الإسرائيلية – الإيرانية اتسمت بالتباين والحذر، خاصة في ظل غياب موقف موحّد، وفي ظل الانقسامات السياسية والحسابات الداخلية للدول المختلفة".
أما دوليا، فقد اكتفى الغرب – بحسب قوله – "بالدعوات إلى ضبط النفس دون ممارسة ضغوط فعالة على إسرائيل"، في حين أعربت روسيا والصين عن "رفضهما للتصعيد ودعمهما للحوار، لكن دون خطوات عملية ملموسة".
وتابع: "تشير المعطيات إلى أن المنطقة مُقبلة على مزيد من التصعيد، في ظل غياب آليات فاعلة لضبط الردع. السيناريو الأكثر ترجيحا في المدى القريب هو تصاعد العمليات العسكرية المتبادلة، وتضاؤل فرص التوصل إلى تسوية دبلوماسية مستدامة".
حرب البقاء كرقم هام في المعادلة
وقال إن إيران "تحارب اليوم، وستظل تجارب، بصور مختلفة، من أجل البقاء كرقم هام في المنطقة، وليس لديها أي بديل آخر للدفاع عن نفسها حاليا"، مشيرا إلى أن "طهران تدرك جيدا أن الإسرائيليين لا يستطيعون الدخول في حرب استنزاف طويلة المدى لأسباب تتعلق بجغرافية إيران، وعدد سكانها، في مقابل صغر المدن الإسرائيلية مقارنة بإيران، بالإضافة إلى أن إسرائيل لا تستطيع الصمود في حرب إلا بدعم مباشر من أمريكا".
وأضاف صالح: "إيران بلد كبير جغرافيا، وعدد سكانها أكثر من تسعين مليونا، ولذلك فإن الإيرانيين حاولوا إطالة أمد الحرب من أجل الضغط على الطرف الآخر"، منوها إلى أن "الإيرانيين لم يستخدمون كل قواتهم الصاروخية لا من حيث الكيفية ولا الكمية، وبالتالي شكّلت قوتها الصاروخية رادعا كبيرا للهجمات الإسرائيلية".
وتابع: "صحيح أن الإيرانيين لا يريدون الحلول العسكرية كما تريدها إسرائيل، ولكنهم يعرفون أنه بعد إطالة أمد الحرب فإن الكفّة ستميل لصالحهم"، موضحا أن "الرأي العام العالمي يعرف جيدا أن إسرائيل هي التي بدأت الحرب من غير أي سبب، وأن الإسرائيليين الآن هم مَن استهدفوا إيران دون مبرر منطقي".
ووصف صالح اتفاق وقف إطلاق النار بأنه "هش وضعيف جدا، ولا يمكن أن يستمر طويلا إلا إذا حصل توافق دبلوماسي حول النشاطات النووية الإيرانية بين طهران وواشنطن".
واستطرد قائلا: "صحيح أن هناك ثغرات عسكرية وأمنية داخل إيران، وقد راهنت كل من واشنطن وتل أبيب على ذلك، لكنهما فشلا في ذلك، لا سيما وأن إيران تمتلك أوراق ضغط كثيرة يمكن أن تستخدمها إذا تجدّدت الحرب".
وردا على عدم وجود دعم خارجي كبير لإيران بعكس إسرائيل، أوضح أن "إيران لم تعوّل يوما ما على دعم خارجي، لا روسي ولا صيني ولا حتى عربي وإسلامي، في مواجهتها مع إسرائيل وأمريكا، بل تعوّل على قدراتها النووية كآلية ضغط حقيقية ورادعة"، مؤكدا أن هذا النوع من الضغوط والهجمات "سيعزز السياسات الإيرانية نحو تغيير منهجها الدفاعي والنووي، وربما اتخاذ مسار جديد ومختلف تماما".
وأكد صالح أن "إيران قد تحصل خلال أشهر على قنبلة نووية وتحقق الردع العسكري النووي الكامل تجاه بلدين هاجماها: إسرائيل وأمريكا"، مضيفا أن هذين البلدين "يملكان قنابل وصواريخ نووية، ولا تستطيع إيران ردعهما إلا إذا أصبحت دولة نووية هي الأخرى".
وعن الرد الإيراني الرمزي على الهجمات الأمريكية، والذي تمثّل في استهداف قاعدة العديد في قطر، قال صالح: "الإيرانيون منذ البداية كانوا يدعمون الحل الدبلوماسي، وكانوا على طاولة المفاوضات مع الأمريكيين في العاصمة العُمانية مسقط، وفي روما، وكذلك في جنيف مع القوى الأوروبية. وهم يريدون حلولا دبلوماسية لهذا النزاع".
وذكر أن "إيران تعرف جيدا أن إسرائيل حاولت، وتحاول، جرّ الولايات المتحدة إلى ساحة المواجهة"، معتبرا أن "هذه المحاولة نجحت جزئيا فقط"، مشيرا إلى أن طهران "لا تريد أن تمنح الأمريكيين ذريعة للتدخل المباشر في حرب طويلة ضد إيران من أجل إسرائيل أو نيابة عنها".
وختم الأستاذ المحاضر في الدراسات الإيرانية، بالقول: "لذلك، فإن طهران لم تنجرّ إلى الفخ الإسرائيلي الهادف إلى استدراج تدخل أمريكي مباشر في هذه الحرب".
ومع رد إيران الصاروخي ضد إسرائيل وتكبيدها خسائر كبيرة، هاجمت الولايات المتحدة منشآت نووية بإيران، مدعية "نهاية" برنامجها النووي، فردت طهران بقصف قاعدة "العديد" العسكرية الأمريكية بقطر، ثم أعلنت واشنطن في 24 حزيران/ يونيو الجاري وقفا لإطلاق النار بين تل أبيب وطهران.