26.1°القدس
25.73°رام الله
24.97°الخليل
26.81°غزة
26.1° القدس
رام الله25.73°
الخليل24.97°
غزة26.81°
الأربعاء 16 أكتوبر 2024
4.91جنيه إسترليني
5.3دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.09يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.91
دينار أردني5.3
جنيه مصري0.08
يورو4.09
دولار أمريكي3.76

خبر: صاحبات العروش المهتزة

«داري على طيرك ليلفي عغيرك، قصقصي جناحاته، جوزك على ما ربيتيه» وهذا نزر يسير من ثقافتنا العامة في الحياة الزوجية والأسرية التي لا يكاد ينجو من آثارها الا القلة، وربما يقع تحت سطوتها من نظن فيهم خيرا من علم و دين! هذه الروح التآمرية الدفاعية في حياتنا التي ما يزال الإعلام المرئي يرسخها تنزع عن الحياة الزوجية أهم مميزاتها من الاستقرار والرحمة وصفاء القلوب والنوايا، وتجعلها حربا يتربص فيها الأطراف لبعضهم؛ مخافة أن يأخذ أحد من مكاسبهم وامتيازاتهم، أو ما يظنون أنهم استحوذوا عليه بعقد الزوجية من ملكية لأفراد الأسرة، ناسين أننا كلنا ودائع في هذه الدنيا، واستثمار الوديعة يكون بما يرضي الله ويحقق مصلحة عباده، فزوج لا يسعى أن يدخل زوجته الجنة برحمة الله قلته أحسن، وزوجة لا تسعى أن يكون زوجها بهداية الله من الفائزين لا تجارة فيها، وآباء و أمهات لا يقدمون أبناءهم بحسن تربيتهم شفعاء بين يدي الله قد عقوهم في الدنيا والآخرة. إن فهم المقاصد من الحياة الزوجية والأسرية هو ما يجعلها باباً لدخول الجنة، فقلائل هم الأزواج والزوجات والأسر الذين ذكروا في معرض الثناء والاصطفاء فقال تعالى: (إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعضها) وذكرت السيرة آل ياسر، وأبو أيوب وأم أيوب الأنصاري، وأبو الدرداء وأم الدرداء، وبغير هذا الفهم وما مارسته هذه العائلات من أدوار عظيمة يسري على الأزواج والعائلات ما سرى عليها منذ الخلق في التأسيس والانقراض، دون أثر حميد سوى مزيد من التوالد والأسماء التي زادت الأرقام ولم تزد الآثار والحسنات! ولا ريب أن هذه الأسر التي خلدت كانت صاحبة فكرة وعمل وتغيير، وجاءت في ظروف صعبة لتسير عكس التيار وتصحح مسار الفكر والبشر لتعبيدهم لربهم وإعمار الأرض، ومعظم الصحابيات من هذه النوعية لم تستحوذ عليهن فكرة المتابعة والمطاردة للأزواج وماذا يفعلون وبماذا يفكرون، لم يعشن أسيرات لخوف مصطنع من مستقبل قد يحمل مثلا زواجا ثانياً أو ثالثاً أو رابعاً، بل كان شعارهن نختلف على أمور الآخرة ولا نختلف على أمور الدنيا، وها هي التابعية زوجة رياح القيسي، احدى عابدات البصرة المعروفات، ترفع سقف اهتمامها بزوجها وبأسرتها وبالعلاقة بينهما، ولا تتذمر منه لقلة مال حصله، ولا لزوجة أدخلها عليها، والقصة تتحدث عن نفسها «كانت في الثلث الأخير من الليل تقوم وتنادي زوجها المرة الأولى حتى الثالثة، وهو يقول: سأقوم، ثم تقول له: مضى الليل، وعسكر المحسنون، وفاز الصالحون، وأنت نائم يا رياح، يا ويحي من غرني بك! وصبرت وألحت وعاونته حتى أخذت بيده، ونهض إلى طاعة الله». ويقول عنها زوجها: «اغتممت مرة في شيء من أمر الدنيا، فقالت: أراك تغتم لأمر الدنيا، ثم أخذت قطعة من خمارها المتواضع فقالت له مهونة عليه: الدنيا أهون عليّ من هذه» حتى لا يحزن زوجها على شيء منها. وها هو حارس القرآن وجندي الحق والشوكة في حلق الفتنة الإمام أحمد بن حنبل يقول عن زوجته ام عبد الله: «مكثت معها عشرين عاما، فما اختلفنا في كلمة واحدة»، وكان له غيرها زوجة وجارية. لماذا كان أفق الزوجات يسير حيثما سار الشرع ويكون خيارهن معه (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم)؟ ولماذا ازدادت المخاوف الان وتعددت التأويلات وتحورت الآيات لإرضاء الأهواء، وإعطاء مزيد من الحماية والآمان الزائف لزوجات يعشن في ممالك مصطنعة، ويخفن أن تهتز عروشهن في أي لحظة فتكون الضربة القاضية التي تُسقط السلطان الأحادي، والملك العضود كما يرينه؟! لماذا نفسر الأيات على خواطرنا وأهوائنا، ولا ننظر كيف طبقها مجتمع الرسول والصحابة؟ أليس التطبيق جزءاً من فهم النص وإنزاله على الواقع كما يريد الله على يد رسوله صلى الله عليه وسلم وخيرة صحابته؟ ألا يأتي تطبيق الشريعة بالأمان والفرح والسعادة؟! أليس تطبيق حد من حدود الله خيراً من نزول الغيث، فكيف بتطبيق الشريعة؟ ألا تكون غيثاً مغيثاً تحمي وترزق البلاد والعباد؟! لماذا لم تكن هناك مطلقة ولا أرملة ولا عانس في مجتمع الصحابة والتابعين الذين نصلي، ونترضى عليهم يوميا في المأثور من الأوراد؟ هل كانوا يفهمون الدين بشكل آخر، وهل فهمنا أصلح وأصوب وذو نتائج أفضل على المجتمع والحالة الجمعية التي يهدف الإسلام الى ترسخيها في نفوس الناس وفي الحياة؟ هل كانت النساء أيامهم درويشات جاهلات أميات لا يعرفن كيف يدرن البيوت والرجال والأسرة، ونحن الآن محنكات إداريات متعلمات نعرف من أين تؤكل الكتف، وكيف نحفظ الكتف لنا لوحدنا أو نقطعها إذا صارت لغيرنا من باب «علي وعلى أعدائي»؟!! لماذا كان كل ما نعتقده، ونطلق عليه مصطلح «البركة» موجودا عندهم، والآن نفتقده في كل شيء؟! نعم تغير البشر، وزاد الظلم، وانتفى العدل، وساءت النفوس والذمم، ولكن ما مهمة من يدعون التدين رجالا ونساء إذا لم يسعوا الى تقديم النموذج والمثال؟! وأين تلك الشعارات الرنانة «أقم دولة الإسلام في قلبك وحياتك وبيتك تقم على أرضك»؟! لماذا أصبح الإسلام أشكالا وأديانا متعددة، ففي الخليج نمط للأسرة، وفي الشام نمط، وفي الشرق نمط، وفي الغرب نمط؟! وكلهم يدعي التبعية لرب واحد، وشريعة واحدة، ويختلفون في التطبيق والتفسير للأحكام؟! فعلاً عندما تسوء النفوس تصل الأمور الى درجة الإسفاف، ونفقد الثقة والروابط التي تقوم عليها البيوت، فليس كل البيوت تبنى على الحب كما قال سيدنا عمر: «ولكن معاشرة على الأحساب والإسلام». عندما تسوء النفوس يصغر عقل المرأة واهتمامها، لينحصر في دنيا الرجل دون مشروع آخر تلقى به الله كفرد، فيرضى عنها به وكجزء من أسرة تقوم برعايتها. عندما تسوء النفوس يصبح الشك والخوف هما الأصل وغيرهما من الأمانة والطمأنينة الشاذ، فنسمع باختراعات من شركة أبل التي لم تعد تستثمر في عقل الإنسان، بل في جهالته فتخترع خاتما لملاحقة الأزواج تمكنهم من تتبع أمكان تواجدهم وتحديدها بدقة! ويا له من زواج ذلك الذي يتابع فيه الأزواج ببشريتهم ووسائلهم الناقصة بعضهم البعض، ولا يعتمدون على رباط ثقة رسخه الله بينهما! عندما تسوء ظنون المرء تسوء أعماله ويقل دينه وعقله، عندما نحيد عن الشريعة فهماً وتطبيقاً فنأخذ ما نريد، ونترك ما نريد، فنحن ننتقص منها بالضرورة، ونؤمن ببعض ونكفر ببعض! في سلسلة المقالات المتتابعة التي كتبتها عن الأسرة وأمور الزواج من تعدد وطلاق وغيرها سألتني إحدى المعلقات: لو تزوج زوج ابنتك عليها هل ستكونين سعيدة؟! وجوابي الصريح: بالطبع لا ولكني لن أسمح لها أن تدمر بيتها وتعترض على الشرع، بل سأدعوها الى كثير من الاحتمال والصبر وتقوى الله لأنه لا يضيع أجر المحسنين، وسأفهمها أن الله الذي شرع لم يكن ليظلم المرأة، ولا لينتقص منها، وأن كرامتها محفوظة بعلاقتها بالله وتقواها وأدائها واجباتها وعلمها وسعيها في خدمة المجتمع، وأن الحياة الزوجية بواحدة أو اثنتين حتى الاربعة لا تصفو لأحد، ولو صفت لكان الأولى أن تصفو في بيت النبوة المحمدية، ولكن الصبر مطلوب من الازواج، واحتمال قليل من العوج لكثير من الاستقامة، فعباد الرحمن مروا بالكثير حتى وصلوا لحالة اطلقت السنتهم بذلك الدعاء العظيم «ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قرة اعين..». وبالمقابل لو كان عندي بنتان وثلاثة في البيت كما في كثير من البيوت دون زواج، وقد فاتهن قطار العمر والأمل بحياة طبيعية، فسأرضى أن يتزوجن من رجل متزوج أو أرمل أو مطلق اذا لم يتوفر العَزَب على تقوى الله، وأكون بذلك أكثر اطمئنانا عليهن. تابعت كذلك سلسلة الردود المتفجرة على مقال «التعدد بين الحاجة والإباحة» التي كتبته أحد الأخوات، فتيقنت أن المجتمع، المتدين خصوصا، ما يزال يتزوج دون فهم لمقاصد الزواج الكلية الشمولية، وأن النساء حقاً صاحبات عروش مهتزة يخفن من أي هزة تزلزل العالم الصغير الذي بنينه لأنفسهن، وتذكرت أن شجرة الدر فقدت الملك يوم نزلت من علياء الحكمة والتعقل الى متابعة ما فعلت زوجة عز الدين أيبك، فماتت ضربا بالقباقب على رأسها. ما يزال المجتمع يراوح مكانه في مواضيع الأسرة والزواج، وخصوصا المتدين، والأمثلة الناصعة شاذة وليست حالة عامة، وظلم البشر انسحب على الدين والمبادئ، وكرّه الجميع ببعضهم، وأصبح الناس يتعاملون بالندية والعداء بدل التآلف والتراحم. أما رسالتي للأخت التي كتبت المقال، ولكل امرأة تريد التغيير في الزمن الصعب والمجتمع الأصعب الذي لا يكتفي بحياد صامت، أو رفض منطقي محترم، بل يجرح المخالف في الدين والأخلاق والعرض والفكر، هي رسالة أعطانا الله إياها في قصة مريم فقد اصطفاها لدور عظيم وهو إنجاب نبي بمعجزة ستغير ويغير هو العالم، ودعاها الى الثقة به أن كل ما تلاقيه من عنت لا يجب أن يحيد بها عن مهمتها العظيمة، حتى لو اتهمت بأبشع وأقذع الأوصاف في أقدس ما تملك. هي رسالة للمؤمنات أن لا يعيقهن كثرة المثبطين، ولا ألسنة العابثين، ولا نظرات السوقة، ولو كان هولاء من اصحاب اللحى التي لا تعي من الدين الا ظاهره ما دامت نيتهن لله ووسيلتهن سليمة، فقد تحملت مريم ومن بعدها أمنا عائشة من اجل فكرة ما لم تتحمله امرأة بعدهما. هي رسالة للمؤمنات أن الله هو الذي يثبت الخير وغير ذلك عرش مهتز، قد تميل به الرياح حيث تميل، لأن الزبد يذهب جفاء مهما حاولنا التمسك به. آمل أن نصحو كمسلمين للمخاطر التي تتهددنا كأفراد وأسر، وأن نتغير على سنة محمد كما يرضى الله قبل أن يطالنا التغيير قصرا بيد جورج والغرب والأمم المتحدة بما نكره ونرفض. وللحديث بقية غداً إن شاء الله