نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية، مقالا، للصحفيين: بيتر بومونت، وأليس سبيري، قالا فيه إنّ: "خطة متداولة في البيت الأبيض لتطوير "ريفييرا غزة" كسلسلة من المدن الكبرى عالية التقنية، رُفضت باعتبارها محاولة "جنونية" للتغطية على التطهير العرقي واسع النطاق لسكان الأراضي الفلسطينية".
وكانت صحيفة "واشنطن بوست" قد نشرت يوم الأحد، نشرة مسربة للخطة، والتي تتضمن التهجير القسري لسكان غزة بالكامل، البالغ عددهم مليوني نسمة، ووضع المنطقة تحت الوصاية الأمريكية لعقد على الأقل.
وبحسب التقارير المُتفرّقة، فإنّه: "أُطلق على هذه الخطة اسم "صندوق إعادة بناء غزة والتسريع الاقتصادي والتحول"، أو "الصندوق العظيم"، وقد ورد أن بعض الإسرائيليين أنفسهم هم من وضعوا هذه الخطة، التي تدعمها الولايات المتحدة وإسرائيل، وأطلقوا مؤسسة غزة الإنسانية، بتخطيط مالي من مجموعة بوسطن الاستشارية".
مقترح لـ"إبادة جماعية"
وأوضحت التقارير، أنّ: "الأمر الأكثر إثارة للجدل هو أن الخطة المكونة من 38 صفحة تقترح ما تسميه: النقل المؤقت لجميع سكان غزة، الذين يزيد عددهم عن مليوني نسمة"، وهو اقتراح من شأنه أن يرقى إلى مستوى التطهير العرقي، وربما إلى إبادة جماعية، وفقا للمصادر نفسها.
وتابعت: "سيتم تشجيع الفلسطينيين على المغادرة "طواعية" إلى بلد آخر أو إلى مناطق محددة وآمنة خلال إعادة الإعمار. وسيُقدم الصندوق الاستئماني "رمزا رقميا" لأصحاب الأراضي مقابل حقوق إعادة تطوير ممتلكاتهم، لاستخدامه في تمويل حياة جديدة في مكان آخر، وسيتم إيواء الباقين في عقارات بمساحة صغيرة جدا تبلغ 323 قدما مربعا، وهي مساحة ضئيلة حتى بمعايير العديد من منازل غير مخيمات اللاجئين في غزة".
واسترسلت: "لم يتضح ما إذا كانت الخطّة تعكس السياسة الأمريكية، ولم يستجب البيت الأبيض ولا وزارة الخارجية لطلب صحيفة "واشنطن بوست" للتعليق. لكن يبدو أن نشرة الاكتتاب تعكس طموح دونالد ترامب، المعلن سابقا "لتطهير" غزة وإعادة تطويرها".
ترحيل بذريعة الـ"تنمية"
من بين منتقدي النشرة المسربة، فيليب غرانت، وهو المدير التنفيذي لمنظمة "ترايل إنترناشونال"، وهي منظمة حقوق إنسان مقرها سويسرا، والذي وصف الخطة بأنها "مخطط لترحيل جماعي، يسوّق على أنه تنمية".
قال غرانت: "هذا مخطط لترحيل جماعي، يُسوّق على أنه تنمية. والنتيجة؟ حالة نموذجية لجرائم دولية على نطاق لا يمكن تصوره: نقل قسري للسكان، وهندسة ديموغرافية، وعقاب جماعي"، و"ترايل" هي واحدة من خمس عشرة منظمة، سبق أن حذّرت من أنّ المقاولين من القطاع الخاص العاملين في غزة بالتعاون مع الحكومة الإسرائيلية يُخاطرون "بالمساعدة والتحريض أو التواطؤ في جرائم بموجب القانون الدولي".
"بما في ذلك جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية، وأنهم قد يُحاسبون بموجب عدة ولايات قضائية" أكد غرانت، مردفا: "قد يواجه المتورطون في تخطيط وتنفيذ مثل هذه الخطة -بمن فيهم الجهات الفاعلة في الشركات- مسؤولية قانونية لعقود قادمة".
مخطط ترامبي للثراء السريع
حتى في وسائل الإعلام العبرية، أثار الاقتراح استغرابا، حيث وصفه مقال في صحيفة "هآرتس" بأنه "مخطط ترامبي للثراء السريع يعتمد على جرائم الحرب والذكاء الاصطناعي والسياحة".
المخطط، الذي وُصف بأنه لا يتطلب أي تمويل أمريكي، والمقصود أن يموله مستثمرون بما يصل إلى 100 مليار دولار، يتصور مدينة ساحلية صاخبة يقسمها مجرى مائي، ويحدّها ما يصل إلى ثماني مدن عملاقة عالية التقنية مدعومة بالذكاء الاصطناعي، على ما يبدو على غرار مشروع نيوم السعودي.
كما يتصور المشروع مجمعا صناعيا باسم "إيلون ماسك" يقع على أنقاض منطقة إيريز الصناعية، التي بُنيت باستثمارات إسرائيلية لاستغلال العمالة الرخيصة في الأراضي الفلسطينية، ثم أغلقتها ودمرتها القوات الإسرائيلية، ويبدو أن فحص الخريطة يشير إلى أن الخطة ستشمل أيضا مصادرة جزء كبير من الأراضي الزراعية في غزة، والتي عادة ما تقع على أطراف غزة، لصالح منطقة عازلة أمنية إسرائيلية.
يصادر حق تقرير المصير
مع ذلك، فإن النص الصغير هو الأكثر إدانة، حيث لا يميز من حيث السيادة بين غزة ودولة الاحتلال الإسرائيلي ومصر، ما يشير إلى عدم مراعاة حق تقرير المصير الفلسطيني. بموجب الخطة، ستحتفظ دولة الاحتلال الإسرائيلي بـ"حقوق شاملة" مُعرّفة بشكل غامض على غزة "لتلبية احتياجاتها الأمنية".
يبدو أن اللغة المستخدمة في نشرة الاكتتاب، ووصف العديد من سماتها، تهدف إلى استغلال غرور ترامب وماسك وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي سميت الحلقة الأمنية المحيطة في غزة باسمه.
"إما الرحيل أو الموت"
وفقا لـ بوسطن كونسالتينغ غروب، التي نقلتها صحيفة "واشنطن بوست"، فإنّه: "لم تتم الموافقة على العمل على الوثيقة، وتم فصل اثنين من كبار الشركاء الذين قادوا التخطيط المالي"، وأكد إتش إيه هيلير، وهو زميل بارز في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، هذا الانتقاد، حيث أشار إلى أنّ: "تفاصيل الخطة سخيفة للغاية لدرجة أنه لا ينبغي أخذ الاقتراح على محمل الجد".
وقال: "إنه لأمر جنوني. المهم هو ما تشير إليه الخطة، وهذه ليست فكرة جديدة: إصرار إسرائيل على عدم وجود سيادة فلسطينية أو حق تقرير المصير في غزة"، مضيفا،:" أوضحت الولايات المتحدة منذ شباط/ فبراير (عندما ظهرت تفاصيل خطط إقامة ريفييرا ترامب في غزة لأول مرة) أنها توافق على فكرة التطهير العرقي في غزة"، وقال أيضا: "فكرة هذا الأمر هو أنه يتعلق بالرحيل الطوعي عندما لا يكون أمام الفلسطينيين في غزة خيار سوى إطلاق النار عليهم أو التجويع".
"غزة ليست للبيع"
صرحت كاثرين غالاغر، المحامية البارزة في مركز الحقوق الدستورية في نيويورك، بأن "أي شركة تتحالف مع دولة الاحتلال الإسرائيلي -وعلى ما يبدو مع ترامب- في خطة لنقل الفلسطينيين قسرا من منازلهم في غزة تُعرّض نفسها لمسؤولية قانونية جسيمة في الداخل وبموجب الولاية القضائية العالمية".
تجدر الإشارة إلى أنّ مركز الحقوق الدستورية قد رفع مؤخرا دعوى قضائية ضد إدارة ترامب، بشأن سجلات تمويلها لمؤسسة غزة الإنسانية، وهي مؤسسة خاصة تُشرف على توزيع المساعدات في غزة، والتي قُتل في مواقعها مئات الفلسطينيين أثناء وقوفهم في طوابير للحصول على الطعام.
سُرّبت هذه النشرة بعد أيام من عقد ترامب اجتماعا في البيت الأبيض، لمناقشة خطة اليوم التالي لغزة، حضره رئيس الوزراء البريطاني السابق، توني بلير، الذي قدّم آراءه حول مستقبل غزة لإدارة ترامب وصهره جاريد كوشنر، كما رفض المسؤول الكبير في حماس، باسم نعيم، الخطة المسربة، قائلا: "غزة ليست للبيع. غزة جزء من الوطن الفلسطيني الكبير".15