"من غزة إلى لبنان ثم سوريا ثم اليمن العزيز ثم تونس وأخيرا قطر؛ ستة دول عربية انقصفت، في أربعة وعشرين ساعة، والسؤال يبقى: إلى متى سنتحمّل هذا الذل؟" بمثل هذا التعبير، رجّت مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، خلال الساعات القليلة الماضية، فيما أبرز ناشريها بالقول: "كأن قانون الغاب عاد ليسود بين الدول بدلا من القانون الدولي".
ماذا حصل؟
عبر غارات واغتيالات متكررة، لم يقتصر فيها الاحتلال الإسرائيلي على فلسطين، بل امتدّ إلى عدد من الدول المجاورة، من قبيل لبنان وسوريا، حيث قصفت طائرات الاحتلال عدّة مدن، بينها: حمص واللاذقية.
أيضا، اخترقت الطائرات الحربية للاحتلال الإسرائيلي "الأجواء المصرية" فوق سيناء، فيما زعمت أنّ الغرض هو: "مطاردة المسيّرات"، بينما أكّد عدد من المهتمّين بالأمن القومي المصري أنّ: "الخطوة هي تحدّيا مباشرا للجيش المصري".
وفي تونس، استُهدف القارب الرئيسي لأسطول الصمود "فاميلي" بواسطة طائرة مسيّرة إسرائيلية في ميناء سيدي بوسعيد، فيما نجا جميع الركاب وأفراد الطاقم، وبعدها بساعات تكرّرت العملية نفسها، مع قارب "ألما" وهو حامل للعلم البريطاني؛ ونتج عنها بعض الأضرار المادّية فقط.
أما في قطر، أوردت عدد من وسائل الإعلام المحلية والدولية، أنّ انفجارات قد هزّت الدوحة، بينما تصاعدت أعمدة الدخان من حي كتارا، وذلك في هجوم وصفته الخارجية القطرية بأنه: "عدوان صارخ على السيادة وانتهاك فاضح للقانون الدولي".
وفي تعليقه على الأحداث المتسارعة، كتب المؤرخ المصري، مصطفى سليمـان أبو عايد الهواري، منشورا على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، جاء فيه: "ننعي ببالغ الحزن والأسى وفاة القانون الدولي بعد إصابته إصابة مباشرة في قلب الدوحة، ونعلن أن قواعد العلاقات الدولية قد لحقت به إلى مثواها الأخير، فيما ترقد الكرامة العربية في العناية المركزة، تصارع سكرات الموت على وقع بيانات الشجب والتنديد".
وتابع الهواري، وهو صاحب كتاب "قاموس القبائل والعائلات العربية المصرية" بالقول: "أما الجنازة، فستُقام عبر اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية، يليها مؤتمر صحفي حافل بالتصريحات المؤثّرة، مع وعدٍ بتشكيل لجنة متابعة… لن تتابع شيئًا".
من جهته، كتب الناشط الأردني، أبو المجد طناطرة، على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" منشورا، قال فيه: "الاحتلال خلال 24 ساعة، ضرب 1 اليمن 2 سوريا 3 لبنان 4 غزة 5 تونس"السفينة" 6 قطر.. 6 دول عربية، صح النوم يا عرب!!!".
سجلّ حافل بانتهاك السيادة
تجدر الإشارة إلى أنّه منذ إعلان قيامها سنة 1948 دأبت دولة الاحتلال الإسرائيلي على انتهاك سيادة دول عدة، سواء من جيرانها، أو من البعيدين عنها على الخريطة في منطقة الشرق الأوسط أو مناطق أخرى من العالم. أبرزهم: العراق خلال عام 1981، حيث استهدفت مقاتلات إسرائيلية من طراز "إف-15″ و"إف-16" مفاعل تموز العراقي النووي، ودمرته كله تقريبا، وقتلت 10 عراقيين ومدنيا فرنسيا من الخبراء المشاركين في بنائه.
وجنوب تونس العاصمة، أغار سرب من الطائرات المقاتلة الإسرائيلية على المربع الأمني في ضاحية حمام الشط، في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر 1985، ما أدى إلى استشهاد 50 فلسطينيا و18 تونسيا، ناهيك عن 100 جريح، مع خسائر مادية قدرت بـ8.5 ملايين دولار أميركي.
آنذاك، وُصف الرد الشعبي التونسي بـ"القوي"، حيث خرجت المسيرات الشعبية والمظاهرات على امتداد أيام، من أجل إدانة الجريمة بحق تونس وخرق المواثيق الدولية. وفي الثالث من الشهر ذاته، قد أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 573 الذي تضمن إدانة دولة الاحتلال الإسرائيلي وإلزامها بالاعتذار والتعويض لتونس.
وفي أحد فنادق مدينة دبي بالإمارات، اغتال الاحتلال الإسرائيلي، القيادي في حركة حماس، محمود المبحوح، بتاريخ 19 كانون الثاني/ يناير 2010؛ وفي الشهر التالي كشفت شرطة دبي أنّ: "11 شخصا يحملون جوازات سفر أوروبية ضالعون في اغتيال المبحوح، وأن هذه المجموعة قدمت إلى دبي على دفعات وغادرتها في غضون 24 ساعة".
وفي عملية مشابهة، أوردت وكالة الأنباء الماليزية، يوم 21 نيسان/ أبريل 2018 اغتيال المحاضر الفلسطيني وعضو حركة حماس، فادي البطش، حيث أطلق عليه مسلحون نحو 10 رصاصات أثناء توجهه إلى أحد المساجد القريبة من منزله بالعاصمة كوالالمبور لأداء صلاة الفجر. فيما أصدرت عائلة البطش، بيانا، اتهمت فيه الموساد بالوقوف خلف الاغتيال، وطالبت السلطات الماليزية بإجراء تحقيق عاجل لكشف المتورطين.
غضب مستمر
فيما يرى مراقبون أنّ هذا التصعيد الآتي من دولة الاحتلال الإسرائيلي (سوريا، لبنان، اليمن وتونس وقطر)، المتزامن مع العدوان الجاري على كامل قطاع غزة المحاصر، يهدف إلى إيصال رسائل متعددة، داخليا وخارجيا، تُطرح تساؤلات حادّة على مواقع التواصل، حول مستقبل الرد العربي، ومدى استمرار هذا "الفراغ الاستراتيجي"، كما وصفه بعض المحللين.
من مختلف دول العالم، أكّد أكثر من 138 اقتصاديا، بينهم أساتذة وباحثون وأكاديميون بارزون، أنّ: "استمرار التغاضي عن هذه السياسات يكرس إفلات الكيان الإسرائيلي من العقاب على جرائم حرب ستترك آثارها التدميرية لعقود قادمة"، وذلك وفقا لوكالة الأنباء الفلسطينية "وفا".
وأشاروا إلى أن: "الأشهر الـ22 الماضية قد شكّلت منعطفا تاريخيا فقدت خلاله مفاهيم القانون الدولي وحقوق الإنسان والأمن الدولي معناها، بعدما دمّر الكيان الإسرائيلي الظروف المعيشية في قطاع غزة، وهدّد باستكمال مخططه في الضفة الغربية بفلسطين المحتلة".
وطالبوا الحكومات بإدانة التطهير العرقي ومخططات التوسع الاستيطاني في غزة والضفة الغربية، وإحالة جرائم الكيان الإسرائيلي إلى المؤسسات القانونية الدولية، مع التأكيد على ضرورة: فرض عقوبات على الكيان تشمل حظر تجارة السلاح معها، وسحب الاستثمارات من اقتصاد يمول الكيان والجرائم ضد الإنسانية.
وغضبا على عدوان الاحتلال الإسرائيلي، خرج العشرات من المغاربة، للتظاهر أمام البرلمان بالعاصمة الرباط، احتجاجا على استهداف الاحتلال الإسرائيلي لقيادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالدوحة وانتهاك سيادة دولة قطر، وأيضا باقي الدول العربية، مع إبراز الرّفض القاطع لاستمرار العدوان على غزة، حيث ضربت كافة القوانين والمواثيق الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان، عرض الحائط.
أيضا، رفع المتظاهرون، عدد من الشعارات الرّامي لـ"وقف التطبيع"، وطالبوا الدول العربية، بـ"اتخاذ موقف حازم وجدّي إزاء الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة لسيادة هذه الدول"؛ وطالبوا المجتمع الدولي بوقف الإبادة والتجويع التي يتعرض لها الفلسطينيون في غزة.
إلى ذلك، وفي خضمّ التصعيد المتسارع وامتداد اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي إلى قلب العواصم العربية، يرى روّاد مواقع التواصل أنّ: "هشاشة مفهوم السيادة وغياب الردّ الفعّال من المؤسسات الرسمية باتا يتجلّيان بشكل متزايد". ويبقى السؤال الأبرز: هل ستتحرّك الدول العربية والمجتمع الدولي بجدية لوقف هذه الانتهاكات، أم سيظلّ الصمت والتواطؤ يغذّيان هذا المشهد؟.