لم يترك جيش الاحتلال وسيلة للنيل من المدنيين في قطاع غزة، والاستفراد بهم، إلا واستخدمها، مستغلا حصاره المطبق، وبطشه غير المسبوق، وتحكمه في دخول المواد الأساسية التي تمر عبر المعابر التي يسيطر عليها بالكامل.
وتبرز أزمة النظافة العامة والشخصية في قطاع غزة، كأحد أسلحة الحرب "القذرة" التي استخدمها جيش الاحتلال ضد السكان المدنيين العزل، والذين وجدوا أنفسهم فريسة للأمراض المعدية، والسارية، بفعل تدمير الاحتلال البنى التحتية، وخطوط الصرف الصحي، وتدمير مقدرات البلديات من معدات وآليات، إضافة إلى منع صيانتها، ما تسبب في انتشار أكوام النفايات في كل مكان، فضلا عن انتشار مياه الصرف الصحي، وتسربها إلى مناطق تجمع النازحين وخيامهم البالية.
ولم تقف جريمة الاحتلال عند هذا الحد، بل حظر دخول مواد النظافة الأساسية الشخصية، كالصابون والمعقمات، والملابس، ما فاقم المعاناة وأوصلها حدودا جديدة غير مسبوقة في تاريخ الحروب مع دولة الاحتلال.
تدمير البنية التحتية في غزة
دمرت قوات الاحتلال شبكات الصرف الصحي، ومحطات المياه الرئيسية في قطاع غزة، إضافة إلى محطات معالجة المياه العادمة، مما أدى إلى تدفق المياه العادمة في الشوارع أو تصريفها مباشرة إلى البحر، والذي أصبح كمكب مفتوح، مما أدى إلى تلوث الشاطئ.
كما تم تدمير شاحنات جمع النفايات، والمكبات الصحية التي كانت منتشرة على أطراف المدن في القطاع، إضافة إلى تدمير أدوات ومراكز إدارة النفايات الصلبة، مما جعل البلديات في القطاع بشكل عام، عاجزة عن جمع النفايات من الشوارع.
منع إدخال المواد الأساسية للنظافة
شددت دولة الاحتلال الحصار على القطاع ومنعت دخول المواد المتعلقة بالصحة العامة، بما في ذلك الوقود اللازم لتشغيل البلديات، مواد التنظيف الأساسية، كالصابون والمعقمات، والمواد الخاصة بالنساء والأطفال.
وقال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن إن استمرار السلطات الإسرائيلية في فرض حصار تعسفي على قطاع غزة، ومنع دخول المساعدات والمواد الأساسية التي لا غنى عنها للبقاء، بما في ذلك منع إدخال أدوات التنظيف والنظافة الشخصية في خضم انتشار الأمراض المعدية والظروف المعيشية الصعبة لنحو 2.3 مليون فلسطيني هو تكريس لجريمة الإبادة الجماعية الشاملة.
انتشار الأمراض
ومع تكدس النفايات في الشوارع وتدهور الأوضاع الصحية، بدأت تظهر أوبئة وأمراض معدية، كالأمراض الجلدية، بسبب سوء النظافة وتلامس السكان مع الحشرات التي تعيش في النفايات.إضافة إلى التهابات الجلد الفطرية والبكتيرية، نتيجة تراكم القمامة والمياه العادمة وانتشار الذباب والبعوض.
استنادا إلى بيانات مختلفة من وزارة الصحة، انتشرت الأمراض المعدية، كالإسهال والكوليرا، بسبب تلوث المياه الجوفية ومياه الشرب بمياه الصرف الصحي، وبعض التقارير تشير إلى رصد حالات كوليرا في القطاع.
كما ظهرت التهابات الجهاز التنفسي، حيث أدى حرق النفايات في الهواء الطلق نتيجة غياب المكبات الصحية أدى إلى تلوث الهواء، مما تسبب في زيادة حالات التهابات الجهاز التنفسي، خاصة بين الأطفال وكبار السن.
وقال المهندس عاصم النبيه، المتحدث باسم بلدية غزة، إن غزة تعيش أصعب أيامها منذ بداية العدوان، ليس فقط بسبب المجاعة والقصف الشديد وانهيار المنظومة الطبية، بل بسبب انهيار منظومة الخدمات الأساسية أيضا، مشيرا إلى أن البلديات في القطاع تعاني من ظروف صعبة للغاية.
وفي هذا السياق، حذر النبيه من انهيار كامل لخدمات بلدية غزة، مثل خدمة توزيع المياه، والصرف الصحي، وجمع وترحيل النفايات، بسبب توغلات قوات الاحتلال والقصف الشديد في مدينة غزة ومعظم مناطق القطاع.
خدمات توشك على الانهيار
وفيما يتعلق بقطاع المياه لفت المسؤول المحلي إلى أن كميات محدودة للغاية تصل للمواطنين في غزة، إذ لا يحصلون إلا على نسبة شحيحة وضئيلة جدا اه من المياه، بينما يتراكم أكثر من ربع مليون طن من النفايات في مختلف أنحاء اه المدينة، محذرا من أن هذه النفايات باتت تشكل كارثة صحية وبيئية، حيث تهدد حياة المواطنين وتؤدي إلى انتشار القوارض والحشرات مما يؤدي إلى انتشار الأوبئة والأمراض المختلفة.
وذكر النبيه أن تكدس كميات كبيرة من النفايات في الشوارع والمناطق القريبة من تجمع النازحين أدى إلى انتشار أمراض جلدية ومعوية بين المواطنين وخاصة بين فئة الأطفال.
أرقام صادمة عن حجم الدمار
وكشف المتحدث باسم بلدية غزة أن أكثر من 75 في المئة من إجمالي آبار المياه في غزة مدمرة، إلى جانب تدمير أكثر من 120 ألف متر طولي من شبكات المياه المختلفة.
وشدد على أن 100 في المئة من محطات ومضخات الصرف الصحي مدمرة بشكل كلي أو جزئي، وأن أكثر من 200 ألف متر طولي من شبكات الصرف الصحي تعرضت لأضرار، و أكثر من 85 في المئة من إجمالي الآليات الثقيلة والمتوسطة دمرت أيضا.
وأكد النبيه أن معظم مقدرات البلديات ومعظم البنى التحتية والمرافق الحيوية مدمرة جدا، فيما طواقم البلدية من العمال باتت منهكة للغاية، فهي تعمل منذ بداية العدوان بإمكانيات شحيحة، مع عجز كبير في الخدمات الاساسية التي يحصل عليها المواطنون.
وذكر أن البلديات ناشدت أكثر من مرة بضرورة إدخال المواد اللازمة للصيانة، وإدخال الآليات الثقيلة، وكميات كافية من الوقود حتى تتمكن البلدية من تقديم الحد الأدنى من الخدمات للمواطنين الذين يعانون من ظروف قاهرة للغاية منذ أكثر من 700 يوم.