أحمد فتى فلسطيني في الخامسة عشر من عمره، كان هدف مداهمة للجيش الإسرائيلي تحت جنح الظلام بتهمة القاء الحجارة. "أنت بطل" يخبره الجندي الإسرائيلي، غير آبه باستغاثته "لا تعتقلني عندي امتحان في المدرسة "، ويعده أن يعيده إلى مدرسته صباح اليوم التالي ،غير أن وعده لم يصدق كحال الوعود الإسرائيلية الكاذبة. فالفتي ذو الخامسة عشر ربيعا نقل إلى معتقل "عوفر" الإسرائيلي قرب رام الله وقدمت ضده لائحة اتهام برشق الحجارة خلافا لاتفاقية جنيف الدولية. قصة أحمد هذه تختصر الحكاية وتغني عن البداية والنهاية إنها حكاية شعب يقاوم الاحتلال، حكاية "أطفال الحجارة وعدو لا يرحم". درج اسم أطفال الحجارة مطلع الانتفاضة الأولى عام 1987، وهي عمليات احتجاج جماعية للأطفال الفلسطينيين في القرى والمدن حيث يواجهون بالحجارة القوات الإسرائيلية المدججة بالسلاح والدروع الواقية، فترد عليهم بالقنابل المسيلة للدموع أو بالرصاص القاتل والمطاطي الذي تسبب بقتل وفقئ عيون الكثير من الأطفال. ورغم أن المقاومة الفلسطينية طورت من أساليبها حتى وصلت إلى الصاروخ والمدفع إلا أن الحجارة لم تغادر كف الأطفال كسمة خاصة، حتى لو كان في مواجهة دبابة إسرائيلية كحال الشهيد فارس عودة. رشق الحجارة لا يقتصر على الأطفال ما دون سن الـ18 حسب تعريف القانون الدولي، بل تعداه إلى ما فوق ذلك ، كبار السن حملوه بأكفهم وقذفوا به المحتل دفاعا عن أراضيهم، بل إن النساء وجدن في الأحذية سلاحاً كالحجارة يدافعن به عند مداهمة بيوتهن لاعتقال أبنائهم أو أزواجهم. وهي ليست لعبة "كر وفر بين قط وفأر" بل إنك قد تدفع حياتك ثمنا مقابل حجر تقذفه في وجه جندي إسرائيلي أو تشج به رأسه. "إسرائيل" هي "الدولة الوحيدة" التي تشرع اعتقال وتعذيب بل وقتل الأطفال بحجة الدفاع عن النفس، منتهكة بذلك بنود اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1990، التي وقعت عليها، "فلا مشكلة عندنا من نعتقل حتى لو كان المعتقل فتى صغيراً طالماً أننا نعتقل من يقومون بأعمال العنف والشغب فلا مشكلة " هذا الكلام لقائد الكتيبة التي تنفذ المداهمات والاعتقالات. هذا "العنف" رأت فيه أميرة هاس الكاتبة الإسرائيلية في هآرتس " حق بالولادة وواجب لأي شخص يخضع لحكم أجنبي"، واقترحت على المدارس الفلسطينية "إعطاء حصص أساسية في المقاومة"، ولم تسلم بالطبع مع سهام الانتقاد اللاذع ودعوات لمقاضاتها لأنها تدافع عن حق شعب محتل في الدفاع عن نفسه كفلته له الشرائع والمواثيق الدولية. ويوجد 240 طفلا ما دون سن الـ18 عامًا في سجون الاحتلال، تعرض قرابة 99% منهم للتعذيب والضرب المبرح، وتم محاكمة قرابة 120 طفلاً بينهم 3 محكومين إداريًا، فيما ينتظر 8 آخرون محاكمتهم، وآخرون رهن التحقيق، وفق وزارة الأسرى والمحررين. ويلجأ الطفل الفلسطيني خاصة إلى "العنف" كما يسميه الإسرائيليون، للدفاع عن مدرسته التي قصفت ودمرت أمام ناظريه وانتقاما لعائلته التي أعدمت على مرأى منه ولأرضه التي تغتصب يوما بعد يوم. في المقابل يدرب "المستوطنون" أطفالهم ذكورا واناثا منذ الصغر على كيفية استخدام السلاح بشتى أنواعه لقتل الفلسطينيين، وتعلو أصوات إسرائيلية تطالب بأن يكون مقابل كل حجر يلقيه طفل رصاصة قاتلة، علماً أن سجل الإجرام الإسرائيلي مليء بمشاهد قتل الأطفال بدم بارد ويسمونه دفاعاً عن النفس بينما يصفون دفاع الفلسطينيين "بالعنف". وكما أبدع الطفل الفلسطيني الذي كبر قبل أوانه في ميدان المواجهة وتحدى المدفع والدبابة، تميز وأبهر العالم في ميادين العلم، فالطفل الفلسطيني "براء ابراهيم شراري" ذو الثمانية أعوام منح درجة عالم، ليكون أصغر عالم في العالم، بعدما تمكن من إثبات نظرية جديدة في علم الرياضيات، تتلخص في اختزال عمليات الضرب الطويلة، ليتم حلها في ثوان معدودة ودون الحاجة الى القلم والورقة أو الحاسبة الآلية. ولم يغب عنا مشهد الطفل الفلسطيني الموهوب أحمد عوض زايد الذي أدهش العالم بفصاحته وجرأته عندما تحدث على شاشة الجزيرة عن معاناة أطفال قطاع غزة إبان العدوان الإسرائيلي نهاية عاما2008. هذا الإبداع والإبهار دفع الشاعر نزار قباني إلى التغني بهؤلاء الذين فاقت شجاعتهم رجولة الرجال وتفوقوا بإقدامهم على بطولة الأبطال فقال في حقهم: بهروا الدنيا.. وما في يدهم إلا الحجارة.. وأضاؤوا كالقناديل، وجاؤوا كالبشارة قاوموا.. وانفجروا.. واستشهدوا.. وبقينا دبباً قطبيةً صفحت أجسادها ضد الحرارة.. قاتلوا عنا إلى أن قتلوا..
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.