19.43°القدس
19.03°رام الله
18.3°الخليل
23.42°غزة
19.43° القدس
رام الله19.03°
الخليل18.3°
غزة23.42°
الثلاثاء 15 أكتوبر 2024
4.92جنيه إسترليني
5.32دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.11يورو
3.77دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.92
دينار أردني5.32
جنيه مصري0.08
يورو4.11
دولار أمريكي3.77

خبر: انتصار الأمعاء الخاوية!

انتصر الأسير سامر العيساوي على سجانيه الإسرائيليين، حين أجبرهم على تحديد موعد إطلاق سراحه. وبذلك أنهى أطول إضراب في التاريخ. إذ ظل ممتنعا عن الطعام طوال تسعة أشهر، احتجاجا على إعادة اعتقاله بغير وجه حق. أمس نشر القرار الإسرائيلي بعدما قرر سامر أن يمتنع حتى عن شرب الماء أيضا لكي لا يرى سجانيه، وتحول إلى هيكل عظمي قعيد، لا يملك سوى إرادة جبارة ظل يتحدى بها الاحتلال بكل سلطاته وهيلمانه. وكانت التقارير الطبية قد ذكرت أن صحته دخلت طور الخطر الشديد. كان العيساوي (33 سنة) قد اعتقل أول مرة في سنة 2002 لمجرد أنه عضو في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين. وبسبب نشاطه السياسي حكم عليه بالسجن لمدة ثلاثين عاما. أمضى منها عشر سنوات في السجن ثم أطلق سراحه ضمن صفقة استعادة الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط. ولكن السلطات الإسرائيلية ظلت تتربص به طوال الوقت، إذ ظل يتم إيقافه كل شهر عدة مرات في القدس، ويحتجز في مراكز الشرطة لساعات طويلة قد تصل إلى عشر، ثم يسمح له بالعودة إلى بيته بعد ذلك. لم يتخل سامر عن كبريائه وعناده. ولا غرابة في ذلك. فهو ابن أسرة فلسطينية دفعت ثمن بقائها تحت الاحتلال. فجدَّه كان من الرعيل الأول الذي انضم إلى منظمة التحرير، وجدته استشهدت في الانتفاضة الأولى. وأبوه وأمه جربا الاعتقال. وله شقيق قتل في مذبحة الحرم الإبراهيمي، وشقيق آخر حكم عليه بالسجن 19 عاما، أما شقيقته المحامية فإنها أمضت عاما تحت الاعتقال. لم يبال سامر بالملاحقات الأمنية التي ظل يتعرض لها بعد إطلاق سراحه، إذ كان يعتبر أنه أخرج من السجن الصغير ليدفع ثمن بقائه في السجن الكبير. بعد عام من إطلاق سراحه تم اعتقاله وهو في طريق عودته من رام الله، وكانت تهمته أنه خرق بنود إطلاق سراحه التي تمنعه من دخول الضفة الغربية. كان ذلك في السابع من شهر يوليو عام 2012. قدموه إلى محاكمة عسكرية قضت أن يستكمل عقوبته الأصلية التي كانت 30 عاما. بمعنى أن يقضى العشرين سنة الأخرى في السجن، وبنت المحكمة قرارها بناء على شبهات ومعلومات سرية لم يتح له أو لمحاميه الاطلاع عليها. في أول أغسطس، بعد المحاكمة مباشرة أعلن إضرابه عن الطعام احتجاجا على إعادة اعتقاله وإعادة محاكمته استنادا إلى معلومات سرية. فشلت محاولات إثنائه عن الإضراب، ورفض بعناد شديد كل المساومات التي عرضت عليه. وظل مصرا على أن يتحدى سجانيه وحكام إسرائيل بمعدته الخاوية، وهي السلاح الوحيد الذي بقى له، بعدما تخلت عنه السلطة الفلسطينية، التي كان غاية ما فعلته أنها نصحته بالإقلاع عن الإضراب عن الطعام. إذ كان ذلك هو الرد الذي سمعته أمه حين ذهبت إلى مكتب أبو مازن وطلبت منه أن يتدخل لإنقاذ ابنها البريء. وكان رد الرجل ـ كما ذكرت الأم ـ أنه نصحها بدعوة سامر لفض الإضراب حتى يسمح لأبي مازن بتسوية الموقف! رفض العيساوي اقتراحا إسرائيليا بتخفيض مدة العقوبة من 20 إلى 16 عاما. ورفض أيضا عرضا أن يخفف السجن إلى 5 سنوات. وحين فشلت مثل هذه العروض فإنهم عرضوا عليه إبعاده إلى قطاع غزة لمدة عشر سنوات ثم إلى إحدى الدول الأوروبية بعد ذلك. لكنه رفض ذلك العرض أيضا وأصر على أن يعود إلى قريته العيساوية في شمال شرقي القدس. إزاء ذلك العناد الأسطوري لم تملك الحكومة الإسرائيلية سوى أن تقرر إطلاق سراحه بعد ثمانية أشهر، مشترطة أن يبقى في لقدس الشرقية ولا يغادرها، وألا يدخل إلى الضفة الغربية وأن يمتنع عن الاتصال بعناصر المقاومة الفلسطينية. وهي الصفقة التي قبل بها سامر. واعتبرتها الحكومة الإسرائيلية صيغة تسمح لها بتجنب الآثار المحلية الدولية التي يمكن أن تترتب على وفاته التي باتت محتملة في ظل استمرار إضرابه عن الطعام والشراب، علما بأن قضيته وصلت إلى الساحة الدولية حتى طالب الاتحاد الأوروبي إسرائيل بإطلاق سراحه. ما يزال في السجون الإسرائيلية نحو 5 آلاف فلسطيني آخر بعضهم أمضى أكثر من عشرين عاما تحت الاعتقال التعسفي، وبعضهم يعانى من أمراض مزمنة وخطيرة، وقد مات أحدهم أخيرا (ميسرة أبو حمدية)، الأمر الذي فجر احتجاجات محلية ودولية واسعة ضد إسرائيل. واضطرت إسرائيل لإطلاق سراح آخر (محمد التاج) بسبب تدهور حالته الصحية وخشية تعرضه للموت وهو وراء القضبان. وجميعهم يشكلون ملفا مسكوتا عنه لم يعد لأصحابه من سلاح للدفاع عنه سوى أمعائهم الخاوية.