لم أتبنّ في أيّ يوم نظرية عمالة النظام السوري لإسرائيل رغم قناعتي بأن الموساد لديه عملاء مزروعون داخل بنى النظام المختلفة.. لكن إسرائيل تعرف جيداً طبيعة النظام وكيف أنه لا يمكن أن يغامر بالحكم والسلطة تحت أي ظرف، لذلك بقيت مطمئنة رغم تسلّحه على مر العقود الماضية وهو على حدودها. ظلّت حكومة الاحتلال منذ بداية الثورة السورية تراقب تطوّر الأوضاع على جبهتها الشمالية، وكانت المفاجآت المتتالية التي قدّمها النظام بين يدي إنكاره مظلومية شعبه وتقديسه لسلطانه وهيمنته تثبت أن شعار (الأسد أو نحرق البلد) هو نهج تبنّاه النظام منذ نشأته، وهو الذي جاء أصلاً عن طريق انقلاب دموي. كما كانت تؤكّد من جهة أخرى بأن الاستقواء على الشعب وعلى أصوات الرفض الداخلية هو على حساب الاستبسال في مقاومة العدوّ الخارجي، ولعلّ سلسلة الاعتداءات الإسرائيلية السابقة على سوريا ومقابلتها بصمت ووعيد أجوف من قبل النظام قدّمت تصوّراً واضحا لحكومة الاحتلال حول نقاط الضعف المختلفة لدى هذا النظام. أما اليوم، حيث انبعث مئات المقاتلين على الأرض السورية بعد سيول من المجازر والدماء، فإن إسرائيل حتماً باتت تحسب مليون حساب لمقاتلين لا يبالون إن فقدوا حياتهم في أية معركة يؤمنون بعدالتها، وليست لديهم حسابات سياسية تحول بينهم وبين فتح النار على الاحتلال الإسرائيلي خلال معركتهم مع النظام أو بعد انقضائها، ولذلك كان متوقّعاً ألا تنتظر إسرائيل حتى يسقط النظام وينتفي الأمن عن جبهتها الشمالية، فبادرت لتوجيه ضربة لمخازن السلاح الثقيل، لأن اتساع رقعة الفراغ الأمني داخل سوريا سيصيب حتماً إسرائيل بشظاياه ويمسّ بأمنها! ومع ذلك، حاول النظام السوري توظيف الضربة الجوية لصالح نظرية المؤامرة الخارجية التي يروّج لها منذ بداية الثورة، ورغم أن ضرب الاحتلال أي بلد عربي أمر يبعث على الغضب ويستجلب التأكيد على العداء لهذا المحتل وضرورة إعادة ضبط البوصلة في الصراع معه، إلا أن هذا لا يمكن أن يجبّ جرائم النظام السوري بحقّ شعبه أو يبعث على تحييدها من الاعتبار، خصوصاً أنها تفوّقت على إجرام الاحتلال نفسه، وكانت ضدّ المطالبين بحقهم في الحرية والكرامة وليس ضد مجموعات من العملاء والمندسين. ولا شك أن النظام السوري أوّل المطالبين بإعادة ضبط بوصلة سلاحه بعد الغارة الإسرائيلية، فراية المقاومة التي يزعم أنه حاملها الأبرز في المنطقة لا تستوعب أن تغير طائرات النظام على جميع المدن السورية بعد الغارة الإسرائيلية وتجبن عن الرد على دولة الاحتلال، وقد رأينا تلك الطائرات تدكّ قرى بأكملها إذا ما اشتُبه بوجود مسلحين فيها، أي أن هناك مبالغة ضخمة في ردود فعل النظام فيما يتعلق بحربه الداخلية، غير أن الهدوء والبرود والتعقل هي لغة التعامل مع المحتل وسيدة الموقف! حينما غزت أمريكا العراق اصطف العرب في غالبيتهم خلف القيادة العراقية وكانوا يأملون أن يأتي انتصار الأمة من بوابة العراق في حربه مع أمريكا، لكننا اكتشفنا لاحقاً أن الشعب العراقي في غالبيته لم يكن يرى أن المعركة تخصّه، رغم أن الغزو لم يحدث عقب ثورة داخلية، ومع ذلك فهمنا جيداً أن الاستبداد لا يمكن أن يخلق ولاءً للسلطة الحاكمة ولا أن يشكّل دافعاً للقتال إلى جانبها إذا ما استبيحت أرضها، وأكثر حلفاء النظام السوري حالياً وقفوا سابقاً ضد القيادة العراقية رغم أنها كانت تواجه غزواً أمريكيا.. ولذلك ليس لهم أن يتوقّعوا اليوم من السوريين المذبوحين بحراب النظام أن يقفوا إلى جانبه حتى لو قرر إعلان الحرب على إسرائيل، فما بالكم وهو صامت عن عدوان الاحتلال منشغل بالتفنن في المجازر ومنهمك في التقتيل والتشريد والترهيب في صفوف شعبه؟! ما عاد ممكناً إرغام أي شعب عربي على تقبّل أن تُداس كرامته تحت أي شعار حتى لو كان المقاومة والممانعة، فالمقاومة جالبة للحرية وليست طريقاً للاستبداد ولا مسوّغة له!
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.