19.68°القدس
19.37°رام الله
18.3°الخليل
24.35°غزة
19.68° القدس
رام الله19.37°
الخليل18.3°
غزة24.35°
الإثنين 14 أكتوبر 2024
4.91جنيه إسترليني
5.31دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.91
دينار أردني5.31
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.76

خبر: غزة بين العَبرة والعِبرة

أكرمني الله بأن أكون بين وفد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذين زاروا غزة الباسلة يوم الأربعاء الفائت، وهناك اختلطت المشاعر بين السرور والألم، والسعادة والحزن، سعادة أن وفقنا الله إلى زيارة بلد الكرامة والإباء، وحزن على تقاعسنا تجاههم وتجاه قضيتنا وقضيتهم بالقدر المطلوب. في أول قدومنا إليها ومن أول لحظة وطئت أقدامنا أرض العزة والكرامة، أرض غزة الباسلة الأبية التي علمت الدنيا: أن المسلم لا يركع إلا لخالقه، ولا يدين بالولاء إلا لدينه، ولو اجتمعت عليه الدنيا ترغيبا وترهيبا؛ فلن تنحرف بوصلتها عن الهدف الذي عاشت لأجله، ومات قادتها العظام في سبيل عودته، ساعة أن وصلنا شعرت بارتياح الغريب الذي عاد إلى بيته، والغريق الذي وصل إلى شط أمانه، والغائب الذي أضحى بين أهله، والمبعد الذي احتضنه من جديد وطنه. في غزة: يقابلك أهلها الذين فقدوا أبناءهم واباءهم وإخوانهم ببشاشة وبشر، كأنما أنت المبتلى بذلك دونهم، والمحاصر المقاتل لا هم، يقابلونك كأنهم يعرفونك من قديم، يحيطون بك برعاية واهتمام كأنما أنت الجريح أو العليل، يقومون بذلك وهم يشعرون أنك أنت المتفضل عليهم دونهم. قوم تعجب من جلدهم وصبرهم وجهادهم، لا يقابلك أحد إلا وهو يخبرك أنه والد شهيد أو ولده، ولا زلت أذكر تلك الفتاة صاحبة الأعوام الثمانية التي تحدثت فأبلغت حتى قلنا جميعا: ليتها توقفت، تحكي مأساة شعب كامل تختصره في قضية والدها بدأت تقول: أنا يا سادة ابنة أسير لم أره قط، إلا في الصور، أبي هنا — أي في قلبها — لكنه عند العدو محتجز، أمي ماتت وأنا طفلة صغيرة، لا أعرف حنان الأم ولم أر رعاية الوالد..... ظلت الفتاة تتحدث ودموعي على خدي تنهمر، — وما كنت أحسب أن أحدا يراني فقد كنت مطأطئا وجهي أرضا — لكن فجأة وجدت من يمسح بيده الصغيرة دمعي، فرفعت رأسي فإذا هي الطفلة، مسحت دموعي وابتسامتها على وجهها في براءة لا تخلو من إصرار ثابت، وصمود ماض، وقالت: يا عم إن غاب أبي فكلكم ابائي وإن ماتت أمي فكل هؤلاء أمهاتي، لا تخف فنحن أهل فلسطين نعيش لقضية كبرى ندافع عن أقصانا ومقدساتنا، ولابد أن نبذل من أجلها كل غال ونفيس، ثم نظرت إلى من حولي وقالت مخاطبة أباها في سجون العدو: لتهنأ أبي في أسرك، واعلم أني أسمع أنينك وأشعر بك، ولن أنساك. كلماتها كانت خناجر تطعن قلوبنا أجمعين، ورسالتها واضحة لكل مسلم أبيّ أن له أبناء في فلسطين واخوة لا ينبغي أن يتجاهل أمرهم أو ينسى قضيتهم. إن الدموع لتنقطع أمام صمود هذا الشعب، الذي رغم فاقته وحاجته يأبى إلا أن يكرمنا بما عنده مهما كان قليلا. هذا رجل في التسعين من عمره ظل واقفا فترة طويلة لأجل أن يسلم عليّ، دون أن أنتبه إليه، وحين رأيته هرعت إليه لأقبل رأسه، فقال لي: انه ينتظر منذ ساعة لأجل أن أزوره في بيته وأن أطعم عنده، وقال لي: ان زيارتكم دعم لنا وتثبيت، فكلما رأيناكم هنا زادنا ذلك صبرا وإيمانا ويقينا، فلا تتأخروا عنا، فنحن نحبكم وأخذ يقسم على ذلك. فقلت له: لا والله بل نحن من نثبت إذا رأينا إيمانكم وصبركم وجلدكم، ونحن منكم ولكم ومعكم ولن نكون إلا على عدوكم. وعندما علم أني قدمت من قطر أبى وأقسم إلا أن يقبل رأسي وحملني أمانة السلام على أهل قطر، وأنه في صلاته يدعو لهم أميرا وشعبا على وقوفهم بجوار قضيتهم العادلة. وكنت قد ذكرت لهم في صلاة الجمعة: أن رسالتنا الواضحة إلى الكيان الصهيوني: أن الشعوب العربية لن تسلم أهل غزة إلى اليهود بعد اليوم، ولن تترك تلك الشعوب أهل فلسطين، ومقدسات المسلمين لأنها قضيتهم أجمعين، رسالة واضحة إلى العدو القائم الغاشم المتكبر بغير حق: إن هدمتهم ديارهم بنيناها، وإن قصفتم مساجدهم شيدناها، وإن خربتهم مدارسهم أقمناها، وإن قلعتم أشجارهم زرعناها، وإن وضعتم الأغلال في أيديهم قطعناها، وإن حاصرتم أرضهم وديارهم جئنا بأنفسنا وأولادنا ليكون مصيرنا ومصيرهم واحدا، هذه بعض خواطر كتبتها على عجالة، وإن كانت الأيام القليلة التي قضيناها تحمل من العبرات أضعاف ذلك، لكني أختم بنقل كلمات كتبت بصدق ونظمت بإخلاص يقول صاحبها مخاطبا أمته: خذوا قلباً تحجّر كالحديد **** خذوه وارجموا كلَّ اليهود خذوا روحي تظللكم جميعاً **** فما عاشت ترفرف من بعيد بني قومي اصبروا فالفجر آتٍ *** فشمس النصر تشرق من جديد خذوا عينيَّ علّ فتىً أغراً *** غدا أعمى سيبصر من جديد خذوا مني اليدين لعلّ كسراً **** يعيق يــدي فدائيّ فريد خذوا جلدي اصنعوا منه فتيلاً *** ومقلاعاً لطفلٍ أو وليد فأنتم شمسُ أمــتِنا بِلَيْلٍ *** كئيبٍ بائسٍ داجٍ جليد بأيديكم رفعتم باعتزازٍ *** لواءَ الأمةِ فوقَ البنودِ وصيّرتم لنا الأحجارَ صرحاً *** على قممِ البطولةِ والصمود وسجلتم لنا التاريخَ نوراً *** وناراً بالدمِ الحرِّ المجيدِ مضيتم بانتفاضتكم وسِرْتم *** على الدربِ الجهاديِّ السديد بني قومي اضربوا في كلِّ شبرٍ *** بهِ أسطورةَ الشعبِ الحقودِ أحيلوا ليلها المسحوق ناراً *** يُذيب سعيرُها كلَّ القيود وروّوا الأرضَ بالدّمِ لا تُبالوا *** رصاصَ الجبنِ أو صَلَفَ الجنود فإنّ الأرضَ تُنبتُ كلَّ حينٍ *** وليداً شامخاً كابنِ الوليد