أمريكا التي أعلنت وزيرة خارجيتها هيلاري كلنتون نيتها محاورة جماعة الإخوان المسلمين في مصر، أدركت أن سياستها السابقة بمقاطعة الإسلاميين ومحاربتهم وخاصة جماعة الإخوان المسلمين والتي تعد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) جزءاً منها، هي سياسة خاطئة، وأن محاولة النظم الدكتاتورية شيطنة الإخوان والحركات الإسلامية في وجهة نظر أمريكا؛ من أجل جعلهم الفزاعة التي تشهر في وجه الإدارة الأمريكية؛ من أجل إبقاء هذه النظم، على قاعدة أن من ينتظركم هم الإخوان المسلمون. هذا الخطأ أدركته أمريكا قبل الثورة المصرية، ولكنها لم تتمكن من التواصل السياسي مع الإخوان في ظل نظام مبارك الذي عدّ الإخوان المسلمين جماعة محظورة، وعليه كان يقف حائلاً دون التواصل المباشر بين الإخوان والإدارة الأمريكية، الأمر الذي تغير بعد الثورة المصرية ومنح النظام المصري الجديد الشرعية الرسمية رغم أن الجماعة استحوذت على الشرعية الجماهيرية والشعبية كونها الأكبر في الساحة السياسية المصرية، ومن خلال هذه الشرعية بات التواصل مع الجماعة العلني لا يشكل حرجاً على الإدارة الأمريكية، وفي نفس الوقت أكدت الجماعة على موقفها من الحوار مع الإدارة الأمريكية بأنه يجب أن يكون بحضور رسمي ممثلا بوزارة الخارجية، وهو نفس الموقف السابق الذي كان للجماعة في عهد نظام مبارك. جماعة الإخوان في مصر لم تتردد في قبول الحوار مع الإدارة الأمريكية وعلى الملأ وبعيداً عن السرية، وأن هذه اللقاءات ستكون بمعرفة النظام وتحت سمعه وبصره وبموافقته، وستوضح للإدارة الأمريكية مواقفها من كل القضايا المصرية والعربية والإسلامية؛ كونها تشكل الجماعة الأم التي ينضوي تحت رايتها كل جماعة الإخوان في العالم، فهي تنظيم عالمي له مرشد واحد وإن كان هناك استقلال لكل جماعة في منطقتها أو بلدها، وفق قاعدة أهل مكة أدرى بشعابها وهذا يعزز مفهوم "لا مركزية الإدارة". ربما الوضع بالنسبة لحركة حماس مختلف عن جماعة الإخوان في مصر، ورغم ذلك فتحت أمريكا حواراً مع حركة حماس بطريق غير مباشر، وكانت هناك وفود أمريكية من قيادات سياسية سابقة التقت قيادة حماس في الداخل والخارج بشكل بعيد عن الرسمية، ولكن في واقع الأمر هذه اللقاءات لم تكن بعيدة عن الرسمية بشكل أو بآخر، وفي أي لقاء توضع التقارير من قبل هذه الوفود بين يدي الإدارة الأمريكية، ولا أشك أن يكون هناك تنسيق بين هذه الوفود والحكومة الأمريكية في لقاءات حماس، وهم عادة ما يحملون وجهة النظر الرسمية لمعرفة موقف حماس منها. اللقاءات مع حماس والتي تعد منتخبة بشكل ديمقراطي من قبل الشعب الفلسطيني وهي ذات شرعية سياسية وجماهيرية، كان جزء كبير منها يتم بشكل علني وأمام وسائل الإعلام ووفق أجندة معدة سلفاً، وبعض منها كان يتم بشكل غير معلن في عواصم أوروبية وبدعوات رسمية من قبل الحكومات الأوروبية التي كان يعقد اللقاء في دولها، وموقف حماس من هذه اللقاءات معروف كونها لا تمانع من الالتقاء بأي من دول العالم من أجل شرح وجهة النظر المتعلقة بالشعب الفلسطيني وقضيته وحقوقه ومقاومته للاحتلال، وهي لديها الاستعداد للذهاب إلى أبعد مكان في العالم من أجل الشعب الفلسطيني وحقوقه، وعلى هذه القاعدة كانت اللقاءات المختلفة. حماس تمتلك الشجاعة في الحوار والجلوس وتحت الأضواء الكاشفة وأمام الملأ؛ كونها صاحبة قضية تعتمد على ثوابت لا تتغير أو تتبدل، ورسالتها واضحة لكل العالم أننا أصحاب حق وندافع من أجل هذا الحق، ولدينا الاستعداد للجلوس في أي مكان ومع من كان من دول العالم دون المحتل. نعتقد أن الإدارة الأمريكية والعديد من الدول الأوروبية حاورت حماس وإن كان بشكل غير مباشر وفهمت موقفها، ولا نعتقد أن حماس ترفض اللقاء بشكل مباشر مع الإدارة الأمريكية، وأن هذه الخطوة ستأتي سواء حاورت أمريكا إخوان مصر أو لم تحاورهم، وسواء وصلت معهم إلى تفاهمات أو إلى طريق مسدود، الإدارة الأمريكية مكرهة أو بمحض إرادتها ستجلس مع حماس في العلن وبشكل مباشر؛ لأن حماس جزء واسع من الشعب الفلسطيني لا يمكن تجاوزها على طول المدى؛ لأنها من يقرر بنعم أو لا في القضية الفلسطينية.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.