قامت وكالة الفضاء الأميركية ناسا بتخليد اسم العالم الجغرافي العربي الأندلسي أبي عبيد البكري، بتسمية فوهة من فوهات القمر باسمه عام 1369 للهجرة، تقديرا لإسهاماته المتميزة في حقل الجغرافيا. هو أبو عبيد الله بن عبد العزيز بن محمد، ويرجع نسبه إلى بكر بن وائل أكبر قبائل ربيعة في شبه جزيرة العرب. ولد في ولبة قرب حاضرة الأندلس إشبيلية عام 405 للهجرة (1014 للميلاد). انتقل إلى قرطبة التي كانت حاضرة العلم في ذاك الزمان، وتتلمذ على يد الجغرافي الأندلسي أحمد بن عمر العذري -وهو من الأسبان الأصليين الذين اعتنقوا الإسلام- والمؤرخ الأندلسي المعروف ابن حيان القرطبي. يعتبر البكري ألمع جغرافيي الأندلس، واتسم عمله بالموضوعية والانسيابية والمنهج العلمي الصارم. كتب في الجغرافيا والتاريخ وعلم الكلام والأدب وعلم النبات، ولكن لم يصل إلينا من مؤلفاته إلا كتاب "المسالك والممالك" و "معجم ما استعجم". جمع البكري في كتابه المسالك والممالك بين الجغرافيا والتاريخ، وزاد على ما جاء في مؤلفات كتبها مؤرخون سابقون له. تطرق إلى التراث الشعبي الموروث لعدد من الشعوب في أرجاء العالم المعروف آنذاك، وأبرز العادات والتقاليد الغريبة، لكنه في نفس الوقت رفض أي شيء يتنافى مع العقل والمنطق في كتاباته. قدم البكري في كتابه هذا أول وصف مفصل لامبراطورية غانا الإسلامية في غرب أفريقيا، ويعتبر من أهم المصادر التاريخية لتلك الحقبة في جنوب غرب أفريقيا وشمال غرب أفريقيا حيث دولة المرابطين. ونظرا لاستقائه الكثير من المعلومات من التجار والمسافرين، فقد قدم وصفا دقيقا لطرق التجارة في الصحراء الكبرى بأفريقيا والتي تضاهي بأهميتها طريق الحرير التاريخي بين الصين وأوروبا. ذكر البكري بالتفصيل بداية دخول بلدات غرب أفريقيا في الإسلام أواخر القرن العاشر الميلادي، مثل غاو التي تقع اليوم في مالي، وعدد من البلدات والمدن المتناثرة على ضفتي نهر النيجر. قال في كتابه يصف مدينة غانا في ذلك الوقت "تتألف مدينة غانا من بلدتين تقعان على السهل. إحداهما يسكنها مسلمون، وهي كبيرة وبها 12 مسجدا، أحدهما مسجد جامع يتجمع فيه المصلون لأداء صلاة الجماعة كل يوم جمعة. كما يوجد في كل مسجد إمام ومؤذن يتقاضون معاشات من الدولة، كما يوجد في تلك المدينة قضاة وعلماء". يسجل للبكري أنه استطاع تقديم مصادر جغرافية وتاريخية دقيقة ومهمة بدون أن يغادر بلاده الأندلس. أما كتابه الخالد الآخر فهو "معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع" وهو جهد توثيقي حاول الكاتب فيه توثيق أسماء الأماكن والبلدان بعد أن لاحظ تعدد التسميات نتيجة تنوع لهجات بني البشر، فأراد أن يكون هناك مصدر تاريخي موثوق يستطيع الباحثون الرجوع إليه للتوصل إلى الأسماء والألفاظ الصحيحة للأماكن. رتب المعجم وفق الحروف الأبجدية في اللغة العربية، واعتمد الكاتب في تأليف معجمه الجغرافي والتاريخي على مصدرين، الأول مصادر تاريخية مثل كتاب "صفة جزيرة العرب" ليعقوب بن داود، والمصدر الثاني هو الرواة من المسافرين والتجار، حيث كان البكري يلتقيهم باستمرار لمعرفة أسماء البلدان والبلدات التي مرّوا بها وأحوال الشعوب فيها. ورغم العيوب التي شابت طريقة ترتيب تسلسل المواد، فإن المعجم يعتبر جهدا متميزا وفريدا يعتبر إلى اليوم مرجعا للدارسين في مجالات التاريخ والجغرافيا وعلم الإنسان. شملت مؤلفاته بالإضافة إلى الكتابين اللذين تم استعراضهما أعلاه: - أعلام نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم - أعيان النبات والشجريات الأندلسية - فصل المقال في شرح كتاب الأمثال - سمط الآلي في شرح أمالي القالي - الإحصاء لطبقات الشعراء - اشتقاق الأسماء - التنبيه على أغلاط أبي علي في أماليه
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.