25.52°القدس
24.93°رام الله
24.39°الخليل
26.32°غزة
25.52° القدس
رام الله24.93°
الخليل24.39°
غزة26.32°
الإثنين 14 أكتوبر 2024
4.91جنيه إسترليني
5.31دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.91
دينار أردني5.31
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.76

خبر: ليسوا ثواراً ولا وطنيين

لو أنّ ما جرى خارج القاهرة خلال اليومين الماضيين لا يستهدف مجرد التخويف والترهيب، وإنّما هو نموذج أو مقدمة لما يمكن أن يحدث اليوم، فمعنى ذلك أنّ الثورة المصرية بصدد الدخول في نفق مظلم يجعل من الحرب الأهلية احتمالا واردا. ورغم أنّ الشحن الإعلامي يبدو موحيا بذلك (إحدى صحف أمس السبت نشرت على الصفحة الأولى عنوانا يتحدث عن أنّ القتل هو الحل)، إلاّ أنّني أزعم أنّ تلك نهاية مشكوك فيها، وليست حتمية بالضرورة لأن الصراع رغم احتدامه وعبثيته في بعض الأحيان لم يصل إلى درجة الجنون. وما زلت عند رأيي في أنّ المجتمع المصري إذا كان قد فقد أشياء كثيرة خلال السنتين الأخيرتين إلاّ أنّه لم يفقد عقله بعد. وإذا كان انفعال بعض المنتسبين إلى الثورة يدفعهم بصورة استثنائية إلى ممارسة العنف، فإنّ ذلك الاستثناء يصبح قاعدة في أوساط البلطجية الذين يكتسبون "شرعيتهم" من ممارسة العنف. لذلك فإنّني أكاد أجزم بأنّ الذين يقتلون الأشخاص ويحرقون المقار ليسوا سوى بلطجية، هواة كانوا أم محترفين، وهم يقينا ليسوا ثوارا ولا وطنيين. ليس لدي قلق من المظاهرات السلمية، لكن القلق والخوف مصدره أولئك الذين يخترقون صفوف المتظاهرين فيرشقون ويقتلون ويحرقون، ومن ثم يشيعون الفوضى والدمار ويروعون الآمنين، وهؤلاء هم البلطجية الذين تحوّلوا إلى ميليشيات أغلبها تابع للدولة العميقة، وقد دلّت خبرتنا على أنّ لها في كل مظاهرة دورا وهدفا. وأزعم أنّ التعويل على دورها اليوم، أو قُل ابتداءً من اليوم، هو أهم أدوارها على الإطلاق. لعلّي لا أبالغ إذا قلت إنّ ميليشيات البلطجية هذه تكاد تشكّل جيشا موازيا، يقال إنّ عدد أعضائه يتجاوز 300 ألف شخص من أرباب السوابق والخارجين عن القانون. الأهم من ذلك والأخطر أنّ أغلبيتهم الساحقة، إن لم يكونوا كلهم، معروفون لدى الأجهزة الأمنية، فجميعهم مروا بتلك الأجهزة أولا كمتهمين في القضايا وثانيا كعملاء لها، ظلّوا يستخدمون طوال السنوات الثلاثين السابقة في قمع المعارضين وإفشال المظاهرات والمسيرات. حسب معلوماتي فإنّ أسماء أولئك الأشخاص موجودة في أرشيف الجهاز الأمني بكل محافظة، وقد فهمت أنّ جانبا من تلك القوائم تسرَّب ووصل إلى أيدي بعض القوى السياسية، وقيل لي إنّه في بعض الحالات سلّمت القوائم إلى مسؤولي الجهاز الأمني لا لتعريفهم بما يعرفون، ولكن لإبلاغهم بأنّه لم يعد في الأمر سر، ولتنبيههم إلى أنّ غضّ الطرف عن أولئك البلطجية يتعذّر اقتراض البراءة فيه، ولكنه له دلالته ورسالته غير المطمئنة. في الزمانات، حين كان يزور القاهرة ضيف أجنبي له معارضون من بني جلدته يقيمون في القاهرة، كانت أجهزة أمن الدولة تحتجز الأخيرين حتى تمرّ الزيارة بسلام. وكان ذلك مفهوما، فضلا عن أنّه كان ميسورا في ظل قانون الطوارئ الذي كان مطبقا آنذاك، إلاّ أنّ ذلك يبدو متعذرا الآن بعد إلغاء الطوارئ، على الأقل فثمة خلاف بين القانونيين بخصوصه، بين قائل بحق رئيس الجمهورية في أن يعلن الطوارئ لمواجهة ظرف معين ولمدة محددة، تحقيقا للمصلحة العامة، كما أنّ هناك رأيا آخر لا يجيز ذلك لرئيس الدولة بعد إلغاء قانون الطوارئ، إلاّ أنّ الأولين يردون قائلين بأنّه إذا كان الدستور (في المادة 148) قد أعطى لرئيس الجمهورية في الظروف الاستثنائية الحق في إعلان الطوارئ بشروط وضوابط معينة، منها ضرورة أخذ رأي الحكومة، فلماذا تغلّ يده في حالة كتلك التي نحن بصددها، يفترض أنّها تهدد السلم الأهلي من خلال إشاعة الفوضى والخراب في البلد؟! وإلى أن يجد أهل الاختصاص مخرجا يحلّ الإشكال القانوني، فإنّني لا أستطيع أن أفهم أن تقف الدولة عاجزة ومتفرجة على الدور المشبوه لميليشيات البلطجية المدججة بالسلاح والمال، فى حين أنّها تعرف أسماءهم واحدا واحدا وتعلم تمام العلم أنّهم سينتهزون أول فرصة لإطلاق شرارة الاشتباك وإشاعة الفوضى وإسالة الدماء في بر مصر. سمعت من أحد القيادات السياسية أنّه تلقّى بلاغا من مصدر له معرفة بعناصر من تلك الميليشيات ذكر فيه أنّ أحدهم قال في مجلس له إنّه مكلف بقتل خمسة أشخاص في المظاهرات التي ستخرج ابتداء من اليوم. وهي رواية يصعب إثباتها حقا، إلاّ أنّ الأجواء المخيّمة صارت تحتملها ولا تستبعدها. وإذا جاز لنا أن نتصارح بصورة نسبية في هذا الصدد، فسوف تتداعى أمامنا أسئلة عديدة حول دور أجهزة وزارة الداخلية، بعد الثورة خصوصا بعد فوز الإخوان في الانتخابات، ذلك أنّنا نعلم أنّها محملة بما يفوق طاقتها، كما أنّنا نستطيع أن نعذرها في أشياء كثيرة تتعلق بالإمكانات والكفاءات، إلاّ أنّ تسامحها مع البلطجية يبدو أمرا محيرا وباعثا على الدهشة. والأمر لا يقف عند حدود التسامح لأن بعض المحافظين الذين عيّنوا أخيرا لم يمكّنوا من تسلُّم وظائفهم إلاّ حين تفاهموا مع مديرى الأمن من محافظاتهم، على صرف البلطجية الذين يأتمرون بأمرهم، ممّن اعترضوا سبيلهم وحاولوا منعهم من الدخول إلى مكاتبهم. يا خفي الألطاف نجّنا ممّا نخاف.