11.12°القدس
10.88°رام الله
9.97°الخليل
16.64°غزة
11.12° القدس
رام الله10.88°
الخليل9.97°
غزة16.64°
الثلاثاء 03 ديسمبر 2024
4.62جنيه إسترليني
5.15دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.83يورو
3.65دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.62
دينار أردني5.15
جنيه مصري0.07
يورو3.83
دولار أمريكي3.65

خبر: من طبْعِ العقرب أن "يلسَع".. وطبعُ الإنسان "أرفَع"

شارفت حدود النهر في الأفق على ابتلاع قرص الشمس.. ولون المياه صار "ذهبًا" صافيًا.. وعلى الحافة جلَس عجوزٌ "كان يعرفه أهل قريته بالحكمة التامة"، ينصت إلى خرير الماء ولسانه يتحرك حمدًا لله وشكرًا على ما منحه بني آدم من بديع الخلق.. ساد الصمت المكان لحظاتٍ طوالا، حتى إذا التفت العجوز برأسه يمينًا لمح عقربًا ساقته ظروفٌ لا يعلمها إلا الله فوقع في النهر.. كان يتخبط محاولاً إنقاذ نفسه من الغرق، فما كان من العجوز إلا أن قرر إنقاذه! مدّ له يده فلسعه العقرب.. سحب الرجل يده صارخًا من شدة الألم، ولكن لم تمضِ سوى دقيقة واحدة حتى مدّ له يده ثانية فلسعه العقرب.. سحب الرجل يده مرةً أخرى وقد اشتدّ ألمه.. وبعد دقيقة راح يحاول للمرة الثالثة!! على مقربةٍ منه جلس رجلٌ آخر كان يراقب ما يحدث، فصرخ في الحكيم ضاحكًا: "أيها الحكيم ما بالك لم تتعظ من المرتين السابقتين؟ لقد لسعك، وها أنت ذا تحاول إنقاذه للمرة الثالثة".. ولكن يا ترى ماذا كان ردّ الحكيم؟ دعونا نرى.. لم يأبه صاحب الحكمة لتوبيخ الرجل وتهكمه، وظل يحاول مرارًا حتى نجح في إنقاذ العقرب.. ثم مشى رويدًا باتجاه ذلك الرجل، وربت على كتفه قائلاً: "يا بني.. من طبع العقرب أن يلسع، ومن طبعي أن أغفر وأعطف... فلماذا تريدني أن أسمح لطبعه أن يتغلب على طبعي؟!".. صمتَ الرجل حينها وعاد إلى بيته وبرفقته درسٌ لن ينساه ما بقي حيًّا.. صديقي القارئ.. هل حاولت يومًا أن تعامل الناس بطبعك لا بطباعهم -حتى وإن شعرت بالألم أحيانًا؟، هل أهملت يومًا الأصوات التي تطالبك بترك صفاتك الحسنة لأن الطرف الآخر لا يستحق معاملتك النبيلة؟.. إذا لم تفعل ذلك مرةً.. فاقرأ هذا التقرير، لأنه سيغيّر لديك الكثير.. [title]هلا احتملتَ "أشعب"؟[/title] يذكر التاريخ "أشعب" (وهو عربيٌّ اشتهر بطمعه وبخله) مسافرًا مع رجلٍ من التجار. وكان هذا الرجل هو الذي يسيّر القافلة من ألفها إلى يائها.. خدمة، وإنزال متاع، وسقي دواب.. بينما أشعب مرتاحٌ لا يفعل شيئًا إلا أن ينام وينتظر لحظة وصوله إلى بلد المقصد.. وفي طريق العودة.. تعب الرجل وضجر من "بلادة" أشعب، حتى إذا نزلا يبغيان تناول الغداء، تمدد أشعب أرضًا، فيما بدأ صاحبه بإنزال المتاع وإناخة البعير.. ولما بلغ به الأمر حده التفت إلى أشعب فقال له: "اجمع الحطب وأنا أقطع اللحم.. فأجابه: "أنا والله متعب من طول ركوب الدابة.. فقام الرجل وجمع الحطب، ثم قال: يا أشعب! قم أشعل الحطب.. فأجابه: يؤذي الدخان صدري إن اقتربت منه.. فأشعلها الرجل، ثم صرخ: "قم أمسك علي لأقطع اللحم، فقال: أخشى أن تصيب السكين يدي، فقطع الرجل اللحم وحده.. ثم تولّى أمر الطبخ والنفخ حتى جهز الطعام وقد أنهكت قواه.. فاضطجع أرضًا.. وقال: "يا أشعب! قم جهز سفرة الطعام.. وضعه في الصحن"، فرده خائبًا بقوله: "جسمي ثقيل ولا أنشط لذلك".. ففعلها التاجر، حتى إذا صار كل شيءٍ جاهزًا قال: "يا أشعب! قم شاركني أكل الطعام.. فإنك ولا بد جائع"، فأجابه أشعب هذه المرة: "قد استحييت والله من كثرة اعتذاري، وها أنا أطيعك الآن".. ثم قام وأكل!! كما ترى في هذه القصة عزيزي القارئ، على الرغم من قلة ذوق، وسوء خلق أشعب مع زميله التاجر، إلا أن الأخير أبى إلا أن يعامله بطبعه (الكرم، والإحسان).. ولكن أريدك أن تسأل نفسك سؤالاً: "لو كنت مكان هذا التاجر أكنت احتملت زميلاً لكَ كأشعب؟.. بصراحة (وفي هذا الزمان).. لا أظن! [title]ماذا عن "قمامة" اليهودي؟[/title] قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صل من قطعك وأطعم من حرمك واعفُ عمن ظلمك).. ولعل المعنى العظيم لهذا القول الشريف تجلّى في قصة النبي صلى الله عليه وسلم مع جاره اليهودي الذي كان يلقي القمامة بشكلٍ يوميٍّ عند باب داره، فلم يكن صلى الله عليه وسلم يردّ إساءته هذه إلا بأن يدعو الله له بالهدى والمغفرة.. مرّت الأيام وإذا بالقمامة تختفي عن باب النبي صلى الله عليه وسلم، حتى إذا سأل الناسَ عن اليهوديّ ذاك عرف أنه مريض، فزاره في بيته.. ومنذ ذلك اليوم لم يعد الجار يسيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي بعض الروايات جاء أنه أعلن إسلامه. [title]بأخلاق القرآن..[/title] قال جلّ وعلا في كتابه العزيز: "وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ، ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ" [فصلت:34]. بهذه الآية استشهد د. ماهر السوسي الأستاذ المشارك بكلية الشريعة والقانون في الجامعة الإسلامية، في تبيان المنهاج الرباني لقضية مقابلة الإساءة بالإحسان، ومعاملة الناس بطبع "الإنسان" الذي يفترض أن يكون مطبّقًا لما جاء به القرآن الكريم. وأردف بقوله تعالى: "وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ* وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ" [الشورى: 39-40]، قائلاً: "على الإنسان المسلم تحديدًا أن يتعامل مع فئةٍ من الناس يؤمل منها الخير والصلاح، أو تلك التي أخطأت عن غير قصد، أو نتاج ظروفٍ معينة.. بإحسانٍ وحسب، فلا يرد إساءتهم بإساءة". وأشار إلى فئةٍ من الناس تمرّست الخطأ عمدًا وقصدًا، بالقول: "هذه الفئة التي لا يؤمل منها تغيير، وتُعامَل وفق ما قاله سبحانه: "فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى" [البقرة: 194] ، متقدمًا بالنصيحة إلى كل شباب المسلمين، بضرورة أن يترفعوا عن ردّ الأذى، إلا بالخير الذي إن نمّ عن شيء فإنما ينم عن خلق حميد وعملٍ بما أوصى به الشرع الحنيف.