26.08°القدس
25.85°رام الله
27.75°الخليل
27.43°غزة
26.08° القدس
رام الله25.85°
الخليل27.75°
غزة27.43°
الإثنين 14 أكتوبر 2024
4.91جنيه إسترليني
5.31دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.91
دينار أردني5.31
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.76

خبر: دعاة في خدمة الطغاة

لم تكن مشكلة الطغاة يوماً مع الدين في تصوراته الغيبية حول الله واليوم الآخر، أو في شعائره التعبدية، المشكلة هي فيما يتضمنه الدين من قوة ثورية تأبى على صاحبها الاستكانة للظلم والهوان، وتحرضه ضد الظلم والفساد والطغيان. لا مشكلة أن تصلي وتصوم، وأن تحج وتقرأ القرآن، وأن تشغل وقتك بالتسبيح والتكبير، وأن تنشئ فضائيات وعظية، وأن تبني أفخم المساجد، لكن الحذر من نقد الأوضاع السياسية والاجتماعية، ومن بث روح الثورة في نفوس الجماهير. لما كان الدين مكوناً رئيساً من مكونات المجتمع لم يكن بالإمكان تجاوزه أو إلغاؤه؛ فكان البديل عن ذلك هو تدجينه ونزع الروح الثورية منه، فيبقى الدين بطقوسه ونصوصه، لكنه مسالم قابل للاحتواء يستعمله أصحاب السلطان لإضفاء شرعية على الواقع الموجود، بدل أن يؤدي مهمته الثورية ضد الظلم والفساد. إن الدين يمكن أن يوظف في خدمة السلطان؛ فتتحول النصوص الدينية من مهمتها الإصلاحية إلى مخدر يقتل الثورة في نفوس الجماهير، ويكبلها بقيود التواكل والاستسلام والرضا بالواقع المهين، وبذلك إن استعمال الطغاة للدين لا يتوقف على تحييده، بل يصبح الدين بنسخته المدجنة أكبر خادم للسلطان، يستحضره لتبرير ظلمه وفساده، ويتخذه سلاحاً فتاكاً في مواجهة خصومه السياسيين، فإن عارضه هؤلاء الخصوم صورهم بأنهم يخالفون الدين نفسه، ويستغله في إشغال الجماهير عن المطالبة بحقوقهم السياسية والاجتماعية. من هنا جاءت المقولة الشهيرة: "إن الدين أفيون الشعوب"، وهي مقولة _وإن كانت مستنكرةً عندنا_ لم تأت من فراغ، فالتدين المشوه يمثل أكبر مخدر للشعوب وقاتل لروحها الثورية. إن الدين هو قوة إيجابية بناءة، لكن الطغاة يستعملونه لإضفاء الشرعية على ظلمهم وطغيانهم، ولتدجين شعوبهم، والحيلولة بينها وبين الثورة. سمعنا في الأحداث المصرية مشايخ يرفعون شعار الاعتكاف واعتزال الفتنة، ويستدلون بالنصوص الدينية لإرضاء أصحاب السلطة، وبذلك تتحول النصوص الدينية إلى دعوة للحياد السلبي، والتهرب من المسئولية الأخلاقية المتمثلة في قول كلمة الحق وإنكار الظلم. نسمع أيضاً من الفقهاء التقليديين الحديث عن طاعة ولي الأمر، وعدم الخروج عليه؛ مخافة الفتنة، وهذا الفقه البائس هو أعظم سلاح يستعمله الطغاة في تعضيد أركان ملكهم، كما يحدث في حكم آل سعود؛ فهم لا يراهنون على قبضتهم الأمنية بقدر ما يراهنون على مشايخ الفقه التقليدي الذين يحرمون الخروج على الحاكم؛ فيكبلون عقول الجماهير، ويقتلون الفطرة السليمة التي تحرض الإنسان على الثورة. إن السلاطين يريدون من الفقهاء أن يعظوا الناس، لكن أن تكون مواعظهم في الاتجاه الذي يخدم بقاء ملكهم، وينزع من الناس روحهم الثورية؛ فتوضع المعاني الدينية العظيمة في سياق سلبي يخدم الظالمين، فإذا طالبت الشعوب بحقوقها المغتصبة وعبرت عن رفضها للفجوة الطبقية؛ كان الحديث عن الزهد في الدنيا وانتظار الأجر من الله يوم القيامة. وإذا طالبوا بالتحقيق في كارثة تسببت بموت كثيرين وبمحاسبة المقصرين؛ كان الحديث عن القضاء والقدر أفضل وسيلة للتهرب من تحمل المسئولية عن أخطائنا البشرية. وحين تستفز الناس للنهضة بالمقارنة بين الحضارة والتقدم الذي ينعم به غير المسلمين والأوضاع المزرية لبلاد المسلمين؛ يقال لك: "إن لهم الدنيا ولنا الآخرة"، فلمَ السعي للنجاح في الحياة إذاً؟! أما حين يشكو الناس تقصير الحكومة، والمعاناة التي يتسبب بها هذا التقصير؛ يخرج واعظ السلاطين ليحث الناس على الصبر، ويبين لهم فضائله العظيمة. استمعت إلى واعظ يتحدث عن المعجزات والخوارق التي أيد الله بها نبيه، فقلت: "حتى لو صح سند هذا النوع من قصص المعجزات؛ فهو لا يمثل الخط العام لرسالة الدين، ويجب ألا يكون هو الأصل والمرتكز في الخطاب الديني، فأساس خطاب القرآن كان موجهاً لعقل الإنسان، وكان يخاطبه بالحجج والبراهين". إن قيمة الخطاب الديني هي في قدرته على تحريض النفوس على الثورة والعمل، وكل حديث لا يصب في هذه الغاية هو عامل تخدير لا نهضة، ويجب أن نخضعه للمراجعة والتصحيح، مهما كان متلبسًا بلباس الدين.