26.08°القدس
25.85°رام الله
27.75°الخليل
27.43°غزة
26.08° القدس
رام الله25.85°
الخليل27.75°
غزة27.43°
الإثنين 14 أكتوبر 2024
4.91جنيه إسترليني
5.31دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.91
دينار أردني5.31
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.76

خبر: وهم الشعور بالاستثنائية

قلت ذات مرة إن أجواء العنف والاقتتال التي تمر بها بلاد العرب تذكر بتاريخ الأوروبيين الذين لم يهتدوا إلى سبيل الوحدة إلا بعد حربين عالميتين طاحنتين أزهقتا نفوس عشرات الملايين فهل علينا أن نعيد ذات التجربة وأن نمر بحروب أهلية طاحنة قبل أن نضطر إلى القبول بأسس الحكم الرشيد والتداول السلمي للسلطة، حين قلت هذا الكلام ردَّ علي رجل تونسي غاضباً إنك قد ضللت ضلالاً مبيناً.. كيف تشبهنا نحن المسلمين بالكفار.. إنهم يعيشون في جاهلية جهلاء أما نحن فعلى الحق المبين، وإن ما ينتظرنا هو الخلافة الراشدة وليس نفس مآل الأوروبيين!! أشكر هذا الرجل فقد نبهني جوابه إلى مشكلة مستعصية من مشكلات ثقافتنا وهي الشعور بالاستثنائية والأفضلية والاستعلاء على البشر حتى إننا نتحسس من المقارنة مع الأمم الأخرى ونظن أن الله يعاملنا معاملةً خاصةً، وأن كوننا مسلمين يجعلنا خارج دائرة السنن التاريخية! هي ذات المشكلة التي نجد بعض تجلياتها في واقع قضيتنا الفلسطينية، فمثلاً رغم أوجه الشبه الكبيرة بين ممارسات الاحتلال الصهيوني وبين نظام الفصل العنصري الأبارتهايد في جنوب أفريقيا فإننا نلمس عزوفاً واضحاً عن دراسة هذه التجربة الأممية واستلهام تجربة نيلسون مانديلا في مقاومة الفصل العنصري للاستفادة منها في بعض جوانبها على الأقل، وسبب ذلك أن فكرةً قد استقرت في اللا شعور عندنا أن قضيتنا الفلسطينية الإسلامية هي استثناء تاريخي لا ينتمي لتجارب الشعوب الإنسانية.. هذا الشعور المتوهم بالاستثنائية يحرمنا من الاستفادة من تجارب البشر الثرية الزاخرة عبر آلاف السنين فنتخبط في مسار حياتنا ونسير على غير علم ولا هدى ولا كتاب منير ونعتمد مبدأ التجربة والخطأ في سلوكنا فنعيد تكرار نفس أخطاء الأمم الأخرى ونتجرع ذات الويلات التي تجرعوها لأن نرفض القبول بأننا بشر مثلهم وأن ما أصابهم سيصيبنا إن اتبعنا سننهم وأن دراسة عاقبة أمرهم ستختصر علينا الكثير من المعاناة والألم.. إننا نظن أن الله يحابينا وأنه يدبر أمورنا بآلية غيبية لا تتأثر بأخطائنا البشرية، وأن الله يمكن أن يتدخل لينصرنا بمعجزة خارقة للسنن الطبيعية، ونظن أن القوانين التي تعمل في حياة الأمم الأخرى تخص غير المسلمين وحدهم، أما نحن فنمتلك من الميزات التفضيلية ما يمنحنا الاستثناء والتعالي على هذه القوانين. هو ذات مرض الشعور بالاستثنائية الذي أصاب اليهود والنصارى من قبلنا فقالوا "نحن أبناء الله وأحباؤه"، لكن القرآن يصحح لهم ولنا طريقة التفكير برد علمي حاسم: " قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق".. إن سنة الله واحدة تجري على الأولين والآخرين "ولن تجد لسنة الله تبديلاً"، والتشابه بين ما يصيبنا من فشل وهزيمة وما يصيب الأمم الأخرى يكذب ادعاء الاستثنائية، لذلك فإن من يدرس التاريخ يمتلك القدرة على التنبؤ بمآلات الأمور وفق مقدماتها، وهذه هي قيمة دراسة التاريخ أن نستفيد منه في توقع أحداث المستقبل بالنظر إلى مصائر الأمم التي خلت من قبلنا، فالقانون الذي يحكمنا ويحكمهم قانون واحد، فنسارع إلى تصحيح المسار والاتعاظ من عبرة التاريخ.. إن دراسة التاريخ الإنساني يحررنا من وهم الاستثنائية فتتسع آفاقنا ونتصل بامتدادنا الإنساني ونبصر ما عند الأمم الأخرى من جوانب تضحيات وآلام ونجاحات فنكتشف أننا لسنا وحدنا في هذا العالم وأن لدى الآخرين ما قدموه وأبدعوه في مسار الحضارة البشرية.. مؤشر الوعي التاريخي ليس أن ندرس العصور الأموية والعباسية والمملوكية وحسب، فالاقتصار على تاريخنا وحده يعني قطع امتدادنا الإنساني وحرمان أنفسنا من تجارب الأمم الثرية ويعني أيضاً تكرار ذات الأخطاء التي وقعنا فيها عبر تاريخنا. يقول الله تعالى " قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين" وهي دعوة لدراسة التاريخ الإنساني في عمومه من خلال السير في الأرض أي تجاوز الحدود القطرية والثقافية الضيقة، فالسنن ذاتها هي التي تحكم المسلمين وغير المسلمين.. إن من لا يقرءون التاريخ هم الذين يصيبهم مرض الشعور بالاستثنائية "ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا" فيحسبون أن التاريخ قد كتب نهايته على أبوابهم، وأن الأيام لن تتداول بعد أن وصلت إليهم، فيقودهم هذا الشعور إلى التمادي في العماية حتى تجري عليهم سنة الأولين ويأتيهم العذاب بغتةً وهم لا يشعرون...