26.08°القدس
25.85°رام الله
27.19°الخليل
27.83°غزة
26.08° القدس
رام الله25.85°
الخليل27.19°
غزة27.83°
الإثنين 14 أكتوبر 2024
4.91جنيه إسترليني
5.31دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.91
دينار أردني5.31
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.76

خبر: الديمقراطية مقاس أمريكاني

تساهم التعريفات في تكوين القاعدة المعرفية للإنسان وثبات الأشياء من حوله؛ لذا فإن سؤال عرّف ما يلي من الأسئلة المتكررة في امتحانات المدارس؛ إذ تقيس قدرة الطالب على التعرف على شيء ما وتحديد معناه وخواصه، ومع أن العمر والعلم والخبرة قد يغير كثيرا من التعريفات التي تعلمها الانسان في مرحلة معينة من عمره، الا أن وجودها يعطي شيئا من الرسوخ العلمي والاجتماعي، ومن خلالها يعرف المرء كيف يتعامل مع ذاته وغيره في الحياة الخاصة والاجتماعية العامة. ولكن يبدو أن هذه الحالة مثالية وأقرب الى التنظير، وأن القوة والسيطرة في شريعة الغاب تملك حق تغيير المفاهيم والتلاعب بها وإعادة صياغتها وقولبتها حسب الأهواء، فالعلم حتى العلم لم يعد حقلا بعيدا عن لعبة المصالح والسيطرة والحكم! نرى هذه الحالة ماثلة بوضوح في الانقلاب العسكري على الديمقراطية والشرعية في مصر، ففي الوقت الذي ظلت أمريكا تحاول أن تعلمنا الديمقراطية لسنوات باعتبارها حبل النجاة وطريق التمدن لشعوبنا، واستحدثت لذلك برنامج تعزيز الديمقراطية Democracy Enhancement في العالم ونشرته في بلادنا، وعرفت لنا الديمقراطية على أنها "حكم الشعب للشعب عن طريق الأغلبية التي تمارس الحكم مع الفصل بين السلطات" وإذ بنا نتكتشف عمليا أنها لا شيء من ذلك بتاتا، وأن الديمقراطية ببساطة هي ما تريده ومن تريده أمريكا في الحكم، وغير ذلك سفسطة وهرطقة وإرهاب ونكوص عن الأعراف الديمقراطية يجب تغييره والانقلاب عليه لإنقاذ البلاد والشعوب!!! وبهذا التعريفات والممارسات الأمريكية الملتوية والزئبقية تصبح حماية الديمقراطية تستوجب القضاء عليها، لأن من وصلوا للحكم عن طريق الديمقراطية هم "الأشخاص الخطأ" الذين يهددونها ويجب كمرحلة انتقالية استبدال رأي الأغلبية بالأقلية المستعينة بالقوة لغرض فرض الأمن والاستقرار، ولو استدعى ذلك فرض الأحكام العرفية والطوارئ بعد أن دخلت البلاد في التجربة الديمقراطية! يبدو السيناريو مألوفا أليس كذلك؟! هناك سيناريو آخر ألا يرضخ جزء من الأغلبية لحكم الأقلية والانقلاب على الديمقراطية والتدخلات السافرة من الداخل والخارج، فتقوم بعض الأطراف التي لا تعتمد الوسطية وأسلوب الحوار منهجا باللجوء الى العنف كوسيلة للدفاع عن حقوقها المغتصبة؛ مما يدفع أمريكا مرة أخرى للتدخل على أي الأحوال لإيقاف العنف أو الأسوأ ما تسميه بالإرهاب، وهي تهمة ليس لها تعريف أيضا وتطلقها أمريكا على كل ما ومن لا يعجبها، وبالتالي لا خلاص من أمريكا لا بالديمقراطية ولا بغيرها وينقلب الحال الى فوضى عامة ما لم يكن هناك خطة وحزم لمواجهة مخطط الانجرار الى العنف. المصداقية الأمريكية كما يقول المفكر نعوم تشومسكي في كتابه الحرب الخطرة Perilous Warتساوي صفرا، فهي مفصلة حسب الحاجة والمصلحة المتغيرة للسياسة الأمريكية، وكذلك ما تسميه أمريكا الحرب على الإرهاب. وليست مصر أول دولة تحاول أمريكا إلباسها ثوب الديمقراطية بالمقاس الأمريكاني، إذ يقول تشومسكي أنه في عام 1980 صرح توماس كارثرز مسؤول برنامج تعزيز الديمقراطية أننا نريد أن ننشر الديمقراطية في الشرق الأوسط، ولكننا نخاف من فوز "الأشخاص الخطأ" فتصبح الديمقراطية أداة وسلاحا بيد من لا يستحقها ولا يقدرها!، وفي عام 2003 خطب بوش أمام الصندوق الوطني للديمقراطية قائلا "إن الولايات المتحدة تفضل الاستقرار على الديمقراطية في بعض البلدان، وبهذا يمكن أن تسمح للأنظمة الديكتاتورية بالاستمرار! ففي إدارة بوش دعمت واشنطن الانقلاب العسكري على الحكومة المنتخبة في فنزويلا واضطرت لسحب الدعم والاعتراف بالحكومة الشرعية، بعد حالة الغضب والرفض التي اجتاحت أمريكا اللاتينية بأسرها (وهذا درس لمصر أن الثبات على المواقف مع زيادة الضغط قد يغير المسار ويخرجه عن السكة الأمريكية). ويضيف تشومسكي أنه في نيكاراغوا عام 1984 لما علمت أمريكا بأن مرشحها للانتخابات الرئاسية وربيب السي اي ايه لن ينجح، نصحته بالانسحاب، وادعت أن الانتخابات غير نزيهة، وأعلنت حكومة ريغان أن نيكاراغوا بلد استبدادي، وبذا قضت على الانتخابات وأوقفت تطبيق نتائجها، أما في السلفادور فلعبت اللعبة الديمقراطية على أصولها وضمنت لمرشحها الفوز، ولكن بعد خراب السلفادور وقتل سبعين ألف من مواطنيها واغتيال قادة الرأي والمفكرين فيها. ولضمان نجاح الديمقراطية بالمقاس الأمريكاني تقام الانتخابات على مراحل لمعرفة النتائج والسيطرة عليها أولا بأول، والانقلاب عليها سريعا اذا لم توافق المصلحة، وهذا بالضبط ما حصل في الجرائر عام 1992 عندما انقلبت الحكومة والجيش بعد نتائج صعود واكتساح الاسلاميين. بالتأكيد هذه ليست التجربة الأولى للتدخل الأمريكي في مصر كما يقول المحلل السياسي غلبرت آرتشر في كتاب الحرب الخطرة، ففي مصر في الانتخابات البرلمانية عام 2005 ضغطت أمريكا على مبارك أن يلون المشهد الديمقراطي قليلا، ويكسر حدة السيطرة لحزبه على الحياة السياسية، وكانت النتائج والاستطلاعات الأولية تشير الى تقدم الاسلاميين وأنهم المستفيد الأكبر من هذه الفسحة؛ فجاءت الرسالة من الحكومة المصرية لأمريكا باستخدام الفزاعة الاسلامية تقول"أنتم لا تريدون هؤلاء الأشخاص في الحكم فدعونا نقوم بالانتخابات على طريقتنا" وفعلا استجابت واشنطن وسحبت مطالباتها. يقول المفكر سامويل هنتنجتون أن تطبيق الديمقراطية التي تدعولها أمريكا تعاني من ظاهرة التناقض democracy paradox ففي الوقت الذي تسمح، وهي التي تملك أن تسمح أوتمنع، تحت رعايتها بنشر الديمقراطية في أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية وآسيا الشرقية تظل تمنعها عن الشرق الأوسط، حفاظا على مصالحها في مصادر الثروة والطاقة وأمن اسرائيل؛ لأن الديمقراطية قد تمكن "الأشخاص الخطأ" من الوصول الى الحكم! ومن هم "الأشخاص الخطأ" في نظر أمريكا؟! هم الذين لا يرضخون للأهداف الاقتصادية والاستراتيجية الأمريكية. وبعد هذا نريد لمرسي أن يستمر في الحكم؟! لا يمكن بالطبع فالثوب الأمريكاني للديمقراطية لم ينفع على مقاسه، وهو لم يرض أن يغير قياساته ليدخل فيه. إذن ما هي الديمقراطية ببساطة ودون تكلف وتقعر وكيف سنعرّفها لنا وللأجيال القادمة؟ الديمقراطية هي ما تراه أمريكا ومن تراه مناسبا لتطبيقها والاستبداد والديكتاتورية والسلطوية هم ما تقول عنهم أمريكا أنهم كذلك، وعلى رأي إخواننا المصريين اللي يتجوز أمي أقوله يا عمي واللي عاوزاه أمريكا نحطه الريس!!! خاب فألهم بإذن الله فالثورة قد تخبو وتضعف وتُجهض ولكنها ولادة إذا كان إنجابها الجديد مبني على تجاوز أخطاء الماضي وتوحيد جهود كل المخلصين والسيطرة على منابع الفتنة. مرحلة الضحك والاستعباد الجماعي للشعب العربي ولت ولن تعود، والملايين في الساحات الذين يدفعون أرواحهم هم شهادة لهذا الميلاد الجديد، الذي يقول أصحابه لن نعيش على مقاس أمريكا، سواء أكان في شكل جلباب أم بدلة رسمية، ولن تلبسنا وتنزع عنا سترها متى أرادت. عنون روبرت فيسك مقاله الذي علق فيه على الانقلاب العسكري في مصر تعريضا واستخفافا بالعسكر متسائلا "متى لا يكون الانقلاب انقلابا؟ عندما يحدث في مصر". بعد الثورة الأولى انتشرت في مصر عبارة على الجدران تقول " ليس في مصر شيء جديد، فالمصرييون صنعوا التاريخ كالعادة" كل من آمنوا بالثورة على الظلم يوما ما، بحاجة أن يروهم يصنعونه مرة أخرى بعودة الشرعية