18.57°القدس
18.3°رام الله
17.19°الخليل
23.43°غزة
18.57° القدس
رام الله18.3°
الخليل17.19°
غزة23.43°
الإثنين 14 أكتوبر 2024
4.91جنيه إسترليني
5.31دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.91
دينار أردني5.31
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.76

خبر: رواية "دون كيشوت" الفلسطينية

يصعب على المراقب التهرب من المقارنة بين ما يسميه مفاوض منظمة التحرير الفلسطينية "معركة" المفاوضات التي يخوضها منذ ما يزيد على عشرين عاما وبين المعارك الخيالية التي يخوضها بطل رواية "دون كيشوت" الاسبانية الشهيرة المنشورة في أوائل القرن السابع عشر. فنتيجة "معركة" مفاوض المنظمة كانت صفرا تماما مثلما كانت نتائج المعارك الوهمية في رواية "دون كيشوت". وقد صدّق هذا المفاوض الحكاية الأميركية عن المفاوضات كما صدق "ألونسو كيخانو"، بطل رواية "دون كيشوت"، قصص الفروسية التي أدمن على قراءتها حتى صدقها فقرر محاكاتها متجولا في البلاد حاملا درعا قديمة ومرتديا خوذة بالية وممتطيا حصانا معاقا ومشهرا سيفا مثلوما ويسير خلفه راكبا حمارا تابعه الساذج الذي صدق وعد سيده له بتعيينه "حاكما على جزيرة" ليخوض معركة "طواحين الهواء" متوهما أنها شياطين ومعركة "الأغنام" متخيلا أنها جيش جرار. ومثلما حول الخيال الفياض لبطل الرواية كل العالم الواقعي المحيط به إلى عالم افتراضي حولت آمال مفاوض المنظمة في الوعود الأميركية إلى سراب يلهث خلفه بعيدا عن المعارك الحقيقية التي تدور على الأرض التي تضيق مساحتها تحت قدميه يوميا وتتحول إلى رمال متحركة تكاد تبتلعه وشعبه وقضيتهم. وبينما يستعد المفاوض اليوم للجولة التاسعة من المفاوضات الثنائية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي التي استؤنفت بضغط أميركي وعربي أواخر تموز الماضي، منتشيا بالانتصار الورقي لاعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بفلسطين دولة مراقبة غير عضو فيها، تستمر دولة الاحتلال في تطبيق خططها لإفراغ معظم الضفة الغربية المحتلة لنهر الأردن من مواطنيها العرب في القدس وغور الأردن والمنطقة المصنفة "ج" في اتفاقيات أوسلو، حيث يزيد عدد المستوطنين اليهود اليوم على عدد مواطني المناطق الثلاث التي تمثل معظم مساحة الضفة. ومثلما غيّر بطل "دون كيشوت" طريقة حديثه ليتبنى لغة عصر الفرسان غيّر مفاوض المنظمة لغة ميثاقها ليتبنى لغة ومصطلحات دولة الاحتلال وراعيها الأميركي في عصر ما يسمى "عملية السلام"، وهي لغة لا يزال فهمها مستعصيا على شعبه الذي تربى على لغة القرآن العربي المبين، فهدف "معركته" تغيّر من "التحرير" إلى "السلام" بالتفاوض مع الاحتلال ودولته وبالاتفاق معهما. وربما لم يعد يمانع هذا المفاوض لو اقترح عليه تغيير اسم المنظمة التي يفاوض باسمها كممثلة شرعية وحيدة لشعبه من "منظمة التحرير" إلى "منظمة السلام" الفلسطينية، بينما يبدو "التحرير" و"السلام" كلاهما أبعد اليوم مما كانا عليه في أي وقت مضى. وبالرغم من الفشل المحتوم المتوقع لجولات المفاوضات الثنائية المباشرة المستأنفة، وبالرغم من تصريحات طرفي التفاوض وعلى أرفع المستويات التي تتحدث عن وصولها "إلى طريق مسدود"، وهو طريق لم يكن أبدا مفتوحا كما أثبتت تجربة العقدين المنصرمين من الزمن، يستمر مفاوض المنظمة في الإعلان عن استمرار التزامه بالمفاوضات كاستراتيجية واحدة وحيدة، ويقوم مبعوث السلام الأميركي للمفاوضات المستأنفة، مارتين إنديك، ب"توسيع" فريقه ل"تسهيلها"، كما أبلغ مؤتمرا يهوديا في الثلاثين من الشهر الماضي، ويعلن ممثل اللجنة "الرباعية" الدولية توني بلير الذي كلف بوضع خطة "مبادرة اقتصادية فلسطينية" جديدة بأن هذه الخطة "سوف تكون جاهزة في الأسابيع القليلة المقبلة" كما قال لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية يوم الثلاثاء الماضي. وكان وزير الخارجية الأميركي جون كيري قد أعلن عن هذه "الجزرة" التي يبلغ ثمنها حوالي أربعة مليارات دولار أميركي كـ"مكافأة" لمفاوض المنظمة على استئنافه المفاوضات. ومن المتوقع طبعا أن لا ترى خطة بلير النور إذا فشلت المفاوضات المستأنفة، أما إذا لم تفشل فإن مصيرها سوف يكون على الأرجح مثل مصير 3.1 مليار دولار (2.3 مليار يورو) من المساعدات الأوروبية للسلطة الفلسطينية التي "اختفت" بين عامي 2008 و2012 على ذمة الصنداي تايمز البريطانية يوم الأحد الماضي نقلا عن تقرير جديد للمجلس الأوروبي لمدققي الحسابات في لوكسمبورغ. فقد انضمت جولي سوير الدبلوماسية المحترفة والمديرة السابقة ل"الخليج الفارسي" في مجلس الأمن القومي إلى فريق إنديك كمساعدة متجولة له، وهادي عمرو من "يو اس ايد – USAID" كمستشار اقتصادي، ومايكل يافي الخبير في مراقبة التسلح للاتصال مع جامعة الدول العربية واللجنة "الرباعية" الدولية وغيرهما من المنظمات، وديفيد وولش الخبير في القضايا "الأمنية" التي لها علاقة ب"عملية السلام"، بينما يقوم جنرال المارينز المتقاعد الذي كان قائدا عسكريا في افغانستان والقيادة المركزية الأميركية جون ألين بإجراء "حوار" مع جيش الاحتلال الإسرائيلي حول "المتطلبات الأمنية" لدولة الاحتلال. وبينما يعلن إنديك أن "الهدف المشترك هو التوصل إلى اتفاقية وضع نهائي وليس إلى اتفاقية انتقالية"، كما يطالب مفاوض المنظمة، يضغط كبير مفاوضي الاحتلال، اسحق مولخو، في اتجاه "ترتيب انتقالي" مؤقت، ومن أجل ايجاد "طريق ثالث" يتفق عليه الطرفان، يستعد "الوسيط" الأميركي، كما كتب المحلل السياسي الإسرائيلي بن كاسبيت في الخامس عشر من الشهر الجاري، لطرح "اقتراح وساطة"، في شكل "إعلان مبادئ"، يضع "خريطة توضح الخطوط الرئيسية من دون الدخول في التفاصيل، لأن الشيطان يكمن في التفاصيل كما نعرف"، وسوف ينتظر الوسيط الأميركي حتى كانون الثاني المقبل لعرضه على المتفاوضين، أي قبل ثلاثة اشهر من انتهاء الشهور التسعة المعلنة كسقف زمني للمفاوضات المستأنفة، وهو الموعد الذي أعلنت تسيبي ليفني، رئيسة الوفد المفاوض لدولة الاحتلال، يوم الأربعاء الماضي أنه "ليس مقدسا". ولم يكتب كاسبيت أن "إعلان المبادئ" الأميركي المنتظر سوف يتحول من الناحية العملية إلى اتفاق انتقالي مؤقت يمنح دولة الاحتلال وقتا إضافيا وغطاء سياسيا لاستمرارها في سياسة توسيع وتسريع استعمارها الاستيطاني الذي ارتفع بنسبة 70% خلال النصف الأول من العام الحالي بالمقارنة مع ذات الفترة من العام المنصرم (منظمة "السلام الآن"). في مقال لها نشر في الشهر الثامن من العام الماضي قالت فلوريان كوهن إن "السلام" بالمفهوم الغربي قد تحول إلى "أداة فعالة لإضفاء الشرعية على التدخلات الدولية والسياسات العنيفة" و"حروب تغيير الأنظمة"، بحيث"فقد السلام مضمونه التحرري"، "ليترك السلام عمليات السلام للخاسرين" و"ليظل السلام الدائم بين الأنداد مراوغا وتظل سياسات السلام تمرينا في إدارة الأمن". وتظل مفاوضات منظمة التحرير مع دولة الاحتلال خير نموذج لهذا المفهوم الغربي للسلام مع أن كوهن في مقالها لم تتطرق إليها، فهي مفاوضات "للسلام" أضفت وتضفي "الشرعية" على الاحتلال العسكري والاستعمار الاستيطاني، وتحولت إلى عملية "إدارة" لأمن الاحتلال ودولته، وكان ويظل وسوف يظل "الخاسرون" الوحيدون فيها هم المنظمة ومفاوضوها وشعبهم وقضيتهم العادلة طالما ظلوا منساقين إلى مفهوم غربي للسلام لا يعتمد العدل أساسا له. وتستمر رواية "دون كيشوت" الفلسطينية كارثية ومأساوية من دون نهاية منظورة، بينما تستمر الرواية الاسبانية الأصلية التي انتهت فصولها بموت مؤلفها مصدر متعة لشعبها تخفف عنه إن حلت به كارثة أو مأساة