18.57°القدس
18.3°رام الله
17.19°الخليل
23.43°غزة
18.57° القدس
رام الله18.3°
الخليل17.19°
غزة23.43°
الإثنين 14 أكتوبر 2024
4.91جنيه إسترليني
5.31دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.91
دينار أردني5.31
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.76

خبر: حل نهائي أم انتقالي

في مقال له مؤخرا، يحث وزير التخطيط السابق وأستاذ العلوم السياسية بجامعة بيرزيت، د. علي الجرباوي، مفاوضي منظمة التحرير الفلسطينية على عدم التوقيع على أي اتفاق على الوضع النهائي لأنه ضمن موازين القوى الراهنة سوف يتطلب منهم التخلي عن الحقوق الوطنية الفلسطينية. ومع ذلك يدعو الجرباوي إلى وجوب الاستمرار في المفاوضات لإرضاء المجتمع الدولي، لكن بالتعامل مع عملية التفاوض كتكتيك لا كاستراتيجية، بهدف استغلال المفاوضات لمراكمة "مكاسب صغيرة" على الأرض مثل تحويل المزيد من الأرض والموارد إلى "السلطة الفلسطينية"، وتخفيف قيود الاحتلال على حركة الفلسطينيين، وفتح الحدود أمام صادراتهم. والجرباوي لا ينص في مقاله على أن البديل لاتفاق على الوضع النهائي هو اتفاقيات انتقالية مؤقتة، لكن هذا هو الاستنتاج الوحيد لقوله إن المفاوضات لن تنهي الصراع، ولا يوجد أي حل تفاوضي في الأفق، ولا أي دولة فلسطينية مرئية تنبثق عنها في المستقبل القريب، وهو الاستنتاج من دعوته في هذه الأثناء إلى انتزاع المزيد من "المكاسب الصغيرة" على الأرض عبر الاستمرار في التفاوض "التكتيكي". وخلاصة المقال تنسجم مع دعوة الاحتلال ودولته ومفاوضيه إلى حل انتقالي مؤقت طويل الأمد، يكرر تجربة اتفاقيات أوسلو الانتقالية ويطيل أمدها بقدر ما يطيل في عمر "السلطة الفلسطينية" التي ولدت من رحمها وتمثل تجسيدا لها، كما كتب الجرباوي. كما يتفق مع الجرباوي في خلاصة مقاله رمز تاريخي لما تعتبره مدرسة المفاوضات في منظمة التحرير "معسكر سلام إسرائيلي"، مثل يوسي بيلين، شريك قيادات في المنظمة في "تحالف السلام" وفي "مبادرة جنيف"، الذي قال في الثلاثين من تموز الماضي إن فرص التوصل إلى اتفاق سلام دائم حاليا "مستحيلة تقريبا"، ليخلص إلى الاستنتاج بأن التوصل إلى "اتفاق انتقالي" يؤسس ل"دولة فلسطينية مؤقتة في بعض أجزاء الضفة الغربية" لا يعد أمرا "غير واقعي" الآن. وربما لهذا السبب، اختارت النيويورك تايمز الأميركية يوم الثلاثاء الماضي ان تنشر مقال الجرباوي مترجما. وإنها لمفارقة مضحكة مبكية أن يعلن وزير الحرب في دولة الاحتلال، داني دانون، معارضته حتى لاتفاق انتقالي، على ذمة الجروزالم بوست في السابع عشر من الشهر الجاري. والرئيس عباس لا يفوت فرصة ليكرر تأكيد رفضه لأي اتفاق انتقالي مؤقت، وقد جدد مؤخرا رفضه في سياق المفاوضات التي استؤنفت أواخر تموز الماضي، التي يؤكد وسيطها الأميركي واللجنة الدولية "الرباعية" الراعية لها وكذلك رئيسة وفد دولة الاحتلال المفاوض فيها، تسيبي ليفني، أن هدفها هو التوصل إلى اتفاق على الوضع النهائي. لكن المدرسة الفلسطينية للمفاوضات، استراتيجية كانت أم تكتيكاً، كانت ولا تزال هي المدخل للمزيد من تآكل الحقوق الوطنية وتجزئتها وتأجيلها، ولتقديم المزيد من التنازلات. فبعد أن تنازل عباس عن وقف أو تجميد الاستعمار الاستيطاني كشرط مسبق معلن لاستئناف المفاوضات، أعلن في ألمانيا يوم الثلاثاء الماضي عن استعداده للقاء نتنياهو في سياق المفاوضات الجارية، وأعلن في ليتوانيا بعد ذلك أنه سيقبل بدولة فلسطينية "منزوعة السلاح"، وسط تلميحات من مفاوضيه إلى إمكانية تمديد مدة التسعة شهور المعلنة كسقف زمني للمفاوضات الجارية، ووسط تقارير عن اقتراح حل وسط أميركي لا يخرج في جوهره عن كونه حلا انتقاليا جديدا. إن اتفاق عباس وليفني على نفي التقارير التي تحدثت الأسبوع الماضي عن وصول المفاوضات إلى "طريق مسدود" تثير مخاوف فلسطينية أكثر مما تثير التفاؤل في ضوء التجربة التاريخية للتنازلات الخطيرة التي تمخضت عنها المفاوضات السرية السابقة. يوحي مفاوض المنظمة لشعبه بوجود "معسكر سلام" في دولة الاحتلال وبأن نتنياهو "يميني" و"متطرف" انقلب على إرث سلفه إسحق رابين "شريك" المنظمة "المسالم" في توقيع "إعلان المبادئ" (اتفاق أوسلو) عام 1993 و"اتفاق القاهرة" في العام التالي و"الاتفاق الانتقالي" عام 1995 الذي اغتيل فيه رابين، وأن نتنياهو يسعى في ولايته الثالثة إلى استكمال عملية إجهاض "اتفاق أوسلو" التي بدأها في ولايته الأولى عند انتخابه لأول مرة عام 1996. لكن المقارنة بين ما يطالب به نتنياهو في المفاوضات الجارية وبين المحددات التي أرساها رابين ل"عملية السلام" مع المنظمة لا تترك مجالا لأي شك في أن نتنياهو "الليكودي" إنما يكمل خطة زعيم حزب العمل الراحل رابين ولا ينقلب عليها. فعلى سبيل المثال، في خطابه لإقناع الكنيست بالموافقة على الاتفاق الانتقالي في الخامس من مثل هذا الشهر عام 1995، عرض رابين رؤيته ل"الحل الدائم"، فقال إن هذا الحل يتضمن القدس "موحدة تحت السيادة الإسرائيلية" مع المستعمرات التي يقع "معظمها شرقي الخط الأخضر"، وحدود أمن دولة الاحتلال ستكون على نهر الأردن، ولا عودة إلى خطوط الرابع من حزيران عام 1967، وسوف يتم بناء كتل استيطانية في "يهودا والسامرة" وقطاع غزة، وأن هدفه في أي حل دائم سوف يكون الاعتراف ب"دولة إسرائيل كدولة يهودية ... إلى جانب كيان فلسطيني ... يكون أقل من دولة". أليست هذه هي ذاتها مطالب نتنياهو الحالية، فما هو الجديد في مطالبه؟! إن سياق المسيرة التاريخية للرئيس عباس يجعل من حقه على دولة الاحتلال أن تكون أول من يرشحه لنيل جائزة نوبل للسلام، فهو "أبو" فكرة وجود "معسكر سلام" فيها، وهو أول من أقام اتصالات مع "حمائمها" المفترضين، وهو رئيس دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير منذ عام 1994، وهو الذي نسق عملية التفاوض خلال مؤتمر مدريد عام 1991، وهو مهندس اتفاق أوسلو الأول بعد ذلك بعامين ورئيس مفاوضاته السرية، وهو الذي وقع على "إعلان المبادئ" المنبثق عنه في واشنطن عام 1993، وهو الذي وقع الاتفاق الانتقالي بعد ذلك بسنتين، وهو الذي أسقط "البندقية" التي كان الراحل ياسر عرفات يحملها في يد ويحمل غصن الزيتون في اليد الأخرى، وهو الذي يقود المفاوضات حتى الآن "بيد واحدة"، وهذه مسيرة "سلمية" طويلة تكاد تجعل الرئيس عباس هو العنوان الأول لمسيرة ما يزيد على أربعين سنة من تاريخ القضية الفلسطينية ارتبطت رمزيا بالرئيس الراحل ياسر عرفات. لكن سياق هذه المسيرة بقيادته الفعلية لا بقيادتها الرمزية شهد التنازل عن ثلثي الوطن التاريخي لعرب فلسطين، كما اعترف عباس في خطابه الأخير في الأمم المتحدة، وشهد التنازل عن حدود الدولتين كما رسمها قرار التقسيم رقم 181 لسنة 1947، وشهد القبول بمبدأ "تبادل الأراضي" للتنازل عن "خطوط" الرابع من حزيران / يونيو 1967 في القدس بخاصة، وشهد التنازل عن الشرعية الدولية كما وردت في قرارات الأمم المتحدة بإعلان شرقي القدس عاصمة للدولة الفلسطينية المأمولة خلافا لوضع المدينة المقدسة كما نص عليه قرار التقسيم، إلخ