على شاشة التلفاز يتمعَّر ويتغيَّر ويتلون وجه المرء وهو يتنقل بين القنوات العربية ليرى من الأخبار ما تكفي لفتح عزاء بقية العمر، أو عُزلَة منقَطِعَة النظير، أو ما يرفع الضَّغط أو ما يرفع أمَّان الحياة، ولكل قناة زبائنها، فما عليك إلا أن تدفع "عشرين شيكل" فقط لصاحب محل "الدِّشَّات" لتنتقل إلى العالم الخارجي وأنت على أريكة بيتك. في القنوات العربية لا شيء مفيد فقد تنقَّلت مرة بينها عند بيت والدي –فأنا لا أملك تلفزيوناً في بيتي- ولم أجد فيها ما يُغْني فقيراً أو يَسُرُّ حزينا... قالت قناة اخبارية حرب "داعش" والغبراء في سوريا، واستفتاء لا طعمَ له أو لون في مصر... أما قناة إخبارية أخرى فقد انتقلت لمذيعة النشرة الجوية "آنجي"، ويبدو أن الجو كان حاراً جداً داخل الأستوديو، عَرِفْتُ ذلك من ملابسها التي تشبه البرتقالة المقشَّرة، وكأنها في عرض أزياء.... وبرنامج صباحي آخر على قناة عربية كأنها تسكن في كوكب المريخ يتحدث عن السَّمْنة الزَّائدة والفطور الصحي، والعرب يموتون جوعاً وفقراً..... ومن بين القنوات انتقلت لقناة سودانية تتحدث عن الطرق الحديثة في الزراعة وتلقيح الحيوانات وتكاثرها، وأثر ذلك في تحقيق التنمية الاقتصادية في السودان، في الوقت الذي انقسمت فيه السودان، وضاعت مواردها، والحدود والسدود تزيد، والفواصل والنقاط بين الدول تتعمَّق... وسرعان ما تنتقل من السودان حتى تتحول إلى قناة مملكة عربية أخرى تتحدث عن الحريات والرفاهية والديمقراطية والانتصارات والجيش والدولة، وكل الخطابات المسجَّلة القديمة والحديثة تبث بوقت منتظم كأنها وجبة غذاء ثقافية وإلزامية تسبح بحمد المسؤول... قلت في نفسي: "آخ شو" نَفْعْ التلفزيون العرب حالهم حال، ما بين قتل وغِنَاء، فقرٍ وغَنَاء، ترف وعَنَاء، غذاء ودواء... "مش معروف إلهم راس من رجلين" حَظْهُم مَنْحُوسْ، وحَالْهُم مَيْؤُوس، ووضعهم لا تصلحه كل الفلوس، يعيش بينهم الرئيس ويموت المرؤوس، قنوات تغنِّي وتُطَبِّل، وأخرى تلطم وتنوح على القتلى، راقصات يصبحن أعضاء في لجنة اعداد الدستور، ومثقفين وأكاديميين في السجون، اعلام "يجعل من الحبَّة قُبَّة"، السودان صارت سودانين، وسوريا ثلاثين والعراق غرِق في بلاد "الوقواق" وضاع بين "أكو وماكو" والجزائر أحوالها" مو مريقلة" وتونس" برشا مشاكل" ... أغلقت التلفاز وحمدْت الله أني لا أملكه فأنا اختار ما أريد من عالم الانترنت، ثم فتحت المذياع فسمعت مذيعة على احدى قنوات “AM” تقول بصوت أنثوي: اليوم عيد المولد النبوي وعلينا الاقتداء بسنته قولاً وفعلاً.... ثم قالت: أترككم مع فاصل غنائي لــ"جورج وسوف" ثم نعود.... [title]وأنا مالي يا أبو يزن دع الخلق للخالق[/title]