هذا الزمن غريب عجيب، أصبح فيه الحليم حيراناً والعاقل مجنوناً، والخائن أميناً، و "بسطَارْ" العسكر حاكماً... حاربنا كل شيء لنا ولذاتنا ولِهَوِيَّتِنَا ولهُوِيّتِنَا، لم تخل سجون العرب ساعة واحدة من المعتقلين، فكانت على مطلع كل شمس تستقبل معتقلين وتخرج آخرين. لم يكن زعماؤنا وقادتنا ورؤساؤنا وملوكنا ومدراؤنا متفرغين للنهضة ولا لمقوِّماتها، أو للتنمية ولا مسبِّباتها كانوا مشغولين بفزَّاعة الأمن اللعينة، يصنعون عدواً وهمياً يقاتلونه ليل نهار، صباح مساء، ويقتلون كل من يعارضهم تحت فزَّاعة الأمن... تفجِّر أجهزة المخابرات التابعة لبلد عربي مقراً هنا أو مكاناً هناك...كنيسة أو مسجد... ملهى ليلي أو موقع ، وبعدها تخوض حرباً ضروساً لاعتقال واغتيال كل من يعارض أو يرفع صوته... كان العالم مشغولاً جداً في الواردات والصادرات من المحاصيل والصناعات, وتطوِّر الأسلحة والمعدات، وبناء الجامعات والمكتبات، أما في عالمنا العربي فكان الرؤساء ومعهم أجهزة المخابرات، مشغولين ببناء السجون والمعتقلات... سجون سوريا وسجون مصر والعراق والمغرب والخليج التي لا يعرف أحدا عنها شيئاً. وكنَّا كشعوب نعيش تحت دوَّامة كبيرة مفادها بقاء الحكم بقاءٌ للأمن، فاعْتُقِل المسيحي على أنه أخوان مسلمين كما حصل في سوريا –كاتب رواية القوقعة- واعتقل عشرات المجندين الصغار في تهم انقلاب في سجون تحت الأرض لا تدخلها الشمس نهائيا لمدة عشرين عاماً –سجن تازمامرت الرهيب في المغرب، واعتقل الشيوخ وخطباء المساجد والعلماء، وصنعنا اعلاماً كاذبا مارقاً يسبِّح بحمد النظام ويضخِّم العدو الداخلي الوهمي، ويجمِّل الهزائم في صالونات الانتصار... يا ويلي علينا في نهاية المطاف وصل الحال بمن كان يحكمنا على مدار عشرات السنين، آسف يستهبلنا إلى أن يشوِّه أسمى قضية على وجه الأرض قضية فلسطين.. صارت القصة استغباء رسمي، فالشهيد أحمد الجعبري رحمه الله متهم بالتخطيط لعمليات داخل مصر، واستلطاخ آخر حيث يتم اتهام الأسير القائد حسن سلامة والمعتقل منذ 1996 في سجون الاحتلال بتفجيرات واقتحام للسجون المصرية في بداية الثورة... قضية الاستلطاخ سهلة جداً، تحتاج لقضاء واعلام وسلاح، وتبدأ معركة الاستلطاخ... ولكنها لن تدوم. والمفروض أن نحاكم أنفسنا التي سمحت لهؤلاء بالصعود، ومحاكمة الشهداء والأسرى، ولو استمرت الأمور على هذه الشاكلة سنرى قريباً خبراً على قنوات مصر مفاده "كتائب القسام تمهل السلطات المصرية 24 ساعة للإفراج عن أحمد الجعبري، وإلا فسيتم اختطاف جمال عبد الناصر". [title]وأنا مالي يا أبو يزن دع الخلق للخالق[/title]