18.9°القدس
18.73°رام الله
17.75°الخليل
23.4°غزة
18.9° القدس
رام الله18.73°
الخليل17.75°
غزة23.4°
الأحد 13 أكتوبر 2024
4.91جنيه إسترليني
5.31دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.91
دينار أردني5.31
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.76

خبر: في مرآة الحقيقة

"الذكرى الثالثة للثورة شوهتها وحشية الشرطة"، كان ذلك هو العنوان الذى تخيرته منظمة العفو الدولية في تقريرها عما شهدته مصر في 25 يناير هذا العام، والذى جرى بثه يوم الخميس الماضي 6 فبراير. وكانت المنظمة الدولية ذاتها قد أصدرت تقريرا في 23 يناير ــ قبل يومين من حلول المناسبة ــ تحت العنوان التالي: خارطة الطريق إلى القمع، لا نهاية تلوح في الأفق لانتهاكات حقوق الإنسان. والتقريران يرسمان صورة قاتمة للوضع الراهن في مصر. وقد فصَّل فيها التقرير الذى صدر في 23 يناير، والذى جاء في 49 صفحة. إذ خلص إلى أن مصر شهدت خلال الأشهر السبعة الأخيرة «ضربات موجعة سددت إلى حقوق الإنسان، ارتكبت فيها الدولة أعمال عنف على نطاق غير مسبوق.. حتى باتت مطالب 25 يناير في الكرامة وحقوق الإنسان بعيدة المنال أكثر من أي وقت مضى».. إذا انحدرت مصر سريعا باتجاه مسار المزيد من القمع والمواجهة، حيث عمدت السلطة إلى تضييق الخناق على حرية التعبير عن الرأي والتجمع، كما سنَّت «قوانين قمعية تسهل على الحكومة إسكات صوت منتقديها وقمع الاحتجاجات، وإطلاق العنان لقوات الأمن كي تتصرف فوق القانون كما يحلو لها، ودون إمكانية مساءلتها عما ترتكبه من انتهاكات.. حتى أصبح العرف السائد الآن هو القمع والإفلات من العقاب». تقرير الخميس 6 فبراير رسم صورة سجلت بعضا مما نعرفه ولا نعرفه مما حدث في يوم 25 يناير إذ ذكر أن «عدد الاعتقالات كان مروعا. فقد ألقي القبض على أكثر من ألف شخص في يوم واحد فقط، حسب تصريحات وزارة الداخلية. كما قتل 64 شخصا على الأقل (المصادر المستقلة ذكرت أن عددهم 103، وأسماؤهم موجودة على الإنترنت)، كما جرح مئات في أعمال العنف التي اندلعت إثر محاولة قوات الأمن فض الاحتجاجات المعارضة للحكومة». ونقلت المنظمة عن أحد المحتجين المفرج عنهم قوله: إن المتظاهرين بمن فيهم الفتيات والنساء تعرضوا للضرب عند إلقاء القبض عليهم، مضيفا انه لاحظ أن جدران الزنزانة التي احتجز فيها كانت ملطخة بالدماء. وانه شخصيا تعرض للضرب على الرأس والصفع على الوجه لانتقاده الشرطة والجيش. ونقل التقرير عن إحدى الفتيات قولها إن ضابطا ضربها بالحذاء في جميع أنحاء جسدها وعلى وجهها، وإن ذلك تكرر مع كل المحتجزين في مركز الشرطة الذين كانوا معصوبي الأعين، بمن فيهم الأطفال، كما ذكر أن فتاة عمرها 15 عاما تم اعتقالها لأنهم وجدوا في حقيبتها قناع غاز وبعض الإسعافات الأولية. وحين تم اقتيادها إلى مبنى عسكري وجدت أن الرجال أجبروا المعتقلين الذكور على خلع ملابسهم الداخلية وجعلوهم يركعون ثم صعقوهم بالكهرباء بينما كانت أعينهم معصوبة. ونقل التقرير عن العديد من المحامين شكواهم من أن النيابة العامة رفضت عرض المعتقلين على الطب الشرعي لإجراء الكشف الطبي عليهم. أضاف المحامون أنهم رأوا بأعينهم آثار تعذيب واضحة على وجوههم وأجزاء أخرى من جسدهم في سجن طرة، أثناء زيارتهم لهم، مشيرين إلى أن معظم التحقيقات جرت في غيابهم. وخلصت المنظمة في تقريرها إلى أن العديد من الرجال والنساء والأطفال المعتقلين كانوا يمارسون حقهم في حرية التعبير والتجمع أو كانوا من المارة، كما نقلت عن أحد المحتجين قوله إنه لم تطلق الشرطة سراحه إلا بعد أن أعلن تأييده للمشير عبدالفتاح السيسي. عندي خمس ملاحظات على هذا الكلام هي: • إن الصورة التي رسمها التقريران تعيد إلى الأذهان عذابات ومسالخ عصر مبارك بالكامل، بالتالي فهي تشكل ردا دافعا على الذين يشككون في تلك العودة ويحاولون التمسح في ثورة 25 يناير، في حين أن تفاصيل الصورة تشكل إعلانا عن مشهد يمثل نكوصا عن الثورة وانتصار الثورة المضادة. •إن تقرير منظمة العفو الدولية عن أحداث 25 يناير بمثابة «عيّنة» تقرب إلى الأذهان معاناة الواحد وعشرين ألف معتقل الذين ألقوا في السجون ومعسكرات الأمن المركزي خلال الأشهر السبعة الماضية. كما تذكرنا بالمصير الذى لقيه أكثر من 2600 شخص قتلوا في تلك الفترة. • إن التقرير يفضح منظمات حقوق الإنسان في مصر التي التزمت الصمت إزاء تلك الانتهاكات التي تقشعر لها الأبدان. ويتهمها ضمنا بالتواطؤ مع الأجهزة الأمنية والتستر على ما جرى. استثني من ذلك التعميم مراكز ومواقع لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة تبنت موقفا نزيها وحاولت أن تسجل الحقيقة بلا مجاملة أو مداراة. • إن الجهات المعنية في مصر والأصوات المعبرة عنها تتعامل مع المشهد بأحد أسلوبين، أحدهما الإنكار التام والادعاء بأن الذين يعدون تلك التقارير ليسوا مدركين لحقيقة الأوضاع في مصر، رغم أن ممثليهم موجودون في البلد ومن أقرب الناس إلى ما جرى، الأسلوب الثاني يتمثل في المسارعة إلى اتهام المسئولين عن إصدار التقارير بالتحامل على مصر والتآمر مع الإخوان. وهى الاتهامات التي أطلقت بحق وسائل الإعلام الأمريكية والبريطانية والألمانية، ولم تسلم منها مؤسسات إعلامية كبرى مثل مجلة تايم والواشنطن بوست ونيويورك تايمز وصحيفة الجارديان، بل لم يسلم منها البرلمان الأوروبي أيضا. • وفى الوقت الذى تتردد أصداء الفضيحة في أنحاء العالم التي وزع عليها تلك التقارير، فإننا في مصر «نستعبط» ونرسل وفودا شعبية إلى عواصم العالم لتحسين صورة البلد، في حين يظل وزير الخارجية يطرق أبواب مختلف العواصم الأوروبية والأفريقية لإقناع مسئوليها بأن مصر بعد 30 يونيو تعيش أزهى عصور الحرية والديمقراطية. إن إحدى أكثر المشكلات في مصر الآن أننا لم نملك بعد شجاعة التطلع إلى وجوهنا في مرآة الحقيقة. وفى حين نتصور أن بوسعنا أن نضحك على العالم المحيط، فإننا نواصل خداعنا لأنفسنا.