18.57°القدس
18.34°رام الله
17.19°الخليل
23.24°غزة
18.57° القدس
رام الله18.34°
الخليل17.19°
غزة23.24°
الأحد 13 أكتوبر 2024
4.91جنيه إسترليني
5.31دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.91
دينار أردني5.31
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.76

خبر: السياسة مؤجلة لما بعد الرئاسة

لماذا لا نأخذ بيان الإخوان بخصوص العنف على محمل الجد، ليس فقط لكي نختبر صدقيته، ولكن أيضًا لكي نبحث عن مخرج للأزمة السياسية في مصر. لا يقولن أحد إنه لا توجد أزمة، أو أن ملف الإخوان أُغلق ولم يعد يحتمل مزيدًا من كلام, وهو ادعاء لا يمكن قبوله إلا إذا اتفقنا على الاستسلام للغيبوبة، وقررنا أن ندفن رؤوسنا في الرمال، لكي لا نرى أو نسمع شيئًا مما حولنا. ولكي نوهم أنفسنا بأن كل شيء على ما يرام وأن الدنيا ربيع والجو بديع، الأمر الذي يدعونا إلى تقفيل كل المواضيع، كما تقول كلمات الراحل صلاح جاهين في الأغنية المشهورة. أما إذا أفقنا وخرجنا من حالة الإنكار فسنجد أن ثمة حقائق مدبَّبة في واقعنا السياسي يتعين التعامل معها، قبل أن تتحول من جراح يمكن علاجها إلى عاهات وعقد تعوق مسيرتنا، ويستعصي البراء منها. "الادعاء بأنه لا توجد أزمة وأن ملف الإخوان أغلق لا يمكن قبوله إلا إذا اتفقنا على الاستسلام للغيبوبة، وقررنا أن ندفن رؤوسنا في الرمال، لكي لا نرى أو نسمع شيئًا مما حولنا". لن أضيف جديًدا, لكنني أذكِّر فقط بأن المجتمع المصري أصبح منقسمًا بصورة حادة لم يشهدها في تاريخه المعاصر، وأن الاستقطاب مع ما استصحبه من تجاذب وكراهية متبادلة لم يعد مقصورًا على النخب السياسية، وإنما وصل إلى عمق المجتمع في قراه ونجوعه، الأمر الذي أزعم أنه بات يهدد استمرار التعايش أو يخدم السلم الأهلي. وينبغي أن يستوقفنا استمرار المظاهرات طوال الأشهر التسعة الماضية، وهو أمر غير مألوف، واشتداد تلك المظاهرات في الجامعات على نحو دعا أحد كبار مثقفينا -الأستاذ بهاء طاهر- إلى اقتراح تعطيل الدراسة في الجامعات لمدة سنتين. أضف إلى القائمة التركة الثقيلة المتمثلة في استمرار اعتقال نحو 25 ألف شخص من مختلف الاتجاهات السياسية، غير 16 ألف مصاب على الأقل، ثم تقديم أكثر من ألفين إلى المحاكمات في قضايا يعلم الجميع كيف رتبت ولفقت. ثم إن أحدًا لا يستطيع أن يتجاهل أو ينسى ملف الذين قتلوا خلال الأشهر الأخيرة، وعددهم تجاوز ثلاثة آلاف حسب تقرير بعض المصادر المستقلة (موقع ويكي ثورة حصر 3248 شخصًا قتلوا في الفترة من 3/7/2013 وحتى 31/3/2014)، هل بوسع أحد بعد ذلك أن يدعى أنه لا توجد أزمة سياسية في مصر؟
 أما القول بأن ملف الإخوان أغلق "إلى الأبد" وأنهم لم يخرجوا من السياسة فحسب، وإنما خرجوا من التاريخ أيضًا، فهو ادعاء يذكرنا بشعار "الحل النهائي" أو الأخير الذي رفعه النازيون في ألمانيا في أربعينيات القرن الماضي، وبمقتضاه دعا القادة النازيون إلى تطهير ألمانيا وأوروبا كلها من اليهود، وأعدوا لذلك (في عام 1942) ستة معتقلات في بولندا لاستقبالهم، تمهيدًا للخلاص منهم. وليس بعيدًا عنا ما فعله الرئيس السابق حافظ الأسد الذي أصدر قانونًا في عام 1982 قضى بإعدام كل من تثبت عضويته في جماعة الإخوان، لكن ذلك لم يستأصل الجماعة التي هي الآن عضو مهم ونشط في الائتلاف السوري. وقد حذا معمر القذافي حذوه، وكانت النتيجة مماثلة لما انتهى إليه الأمر في سوريا، حيث هم الآن شركاء مهمون في المؤتمر الوطني الليبي. "إبادة البشر قد تكون ممكنة، لكن الأفكار يتعذر إبادتها بقرار تصدره السلطة مهما كان جبروتها، ذلك أن الأفكار لا تقتل بفعل فاعل، وإنما قد تموت بفعل الزمن، إذا شاخت وتآكلت ونضب معينها" تعددت أصداء المقالة، بين تأييد وتحفظ وتنديد، ولكن أهم الأصداء كان ذلك البيان الذي أصدره في الثامن من أبريل/ نيسان الحالي الأمين العام للجماعة الدكتور محمود حسين، الذي ذكر فيه أن منهج الجماعة في الإصلاح يقوم على الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن أعضاءها تعرضوا للتعذيب الوحشي في السجون والمعتقلات في عامي 1954 و1965، لكنهم لم يحيدوا عن موقفهم الإصلاحي. ولكي يؤكد ذلك فإنه استدعى شهادات عدة هي: - تصريح للرئيس الأسبق حسني مبارك أثناء زيارته فرنسا عام 1993 لجريدة لوموند الفرنسية، ونشرته عنه جريدة الأهرام في 1/11/1993، قال فيه ما يلي: في مصر حركة سياسية تفضل النضال السياسي على العنف, وقد دخل عناصر الحركة في بعض المؤسسات الاجتماعية واستطاعوا النجاح في انتخابات النقابات المهنية مثل الأطباء والمهندسين. - تصريح وزير الداخلية الأسبق اللواء حسن الألفي في المؤتمر الصحفي الذي نشرت وقائعه في 14/4/1994 وأبرزته صحيفتا الأهرام والجمهورية آنذاك. إذ حين سئل عن علاقة الإخوان بتنظيم الجهاد أو الجماعة الإسلامية (اللذين مارسا العنف آنذاك)، فكان رده: الإخوان جماعة لا يرتكب أفرادها أعمال عنف، بعكس تلك التنظيمات الإرهابية. - تصريح أدلى به خبير الإرهاب الدولي بالأمم المتحدة اللواء أحمد جلال عز الدين لجريدة الأنباء الكويتية في 14/8/1994، وفيه قرر أن "الإخوان حركة دينية سياسية ليس لها صلة بالإرهاب والتطرف".. وهم في نظر عدد كبير من تنظيمات العنف يعتبرون متخاذلين وموالين للسلطة ومتصالحين معها. - بيان أصدرته الجماعة في ذروة سنوات عنف التسعينيات (في 30/4/1995) وذكرت فيه أن قادتها يجددون الإعلان عن رفضهم لأساليب العنف والقسر لجميع صور العمل الانقلابي الذي يمزق وحدة الأمة.. وإذا كان جو الكبت والقلق والاضطراب قد ورط فريقًا من أبنائها في ممارسة إرهابية روعت الأبرياء وهزت أمن البلاد.. فإن الإخوان يعلنون دون تردد أو مداراة أنهم برآء من شتى أشكال ومصادر العنف.. وأن الذين يسفكون الدم الحرام شركاء في الإثم واقعون في المعصية. وهو ذات الموقف الذي عبرت عنه الجماعة بعد تفجير مركز التجارة العالمية في نيويورك عام 2001. لذلك فإن بيان الأمين العام للجماعة يغدو إبراء للذمة وليس إسهامًا في انفراج الأزمة، وخطابًا موجهًا إلى التاريخ ولا محل له في حسابات الحاضر، وهو رهان أتمنى أن أخسره وتقدير يسرني أن يخيب، قولوا: إن شاء الله.