لم يكن محمد، أبو عمر كما يحب أن يكني نفسه إلا صورة مصغرة تعكس حب الجزائريين لفلسطين وأهلها خاصة الغزيين بسبب ما يتعرضون له من حصار إسرائيلي ظالم، بتواطؤ عربي وغربي فاضح. قابلته لأول مرة في مسجد الحي الذي أقطن فيه، ولولا أن العرفين به أخبروني أنه جزائري الأصل لما عرفت حقيقة جنسيته هذه، يجتمع الشباب حوله، يتبادلون السلام ويتصافحون، لم يبد عليه أثر غربة، كأنه فلسطيني المولد والمنشأ. أقبلت عليه مبتسمًا مسلّمًا، بادلني بالمثل، عرفته بنفسي، وفعل هو أيضا قائلًا: "أنا جزائري الأصل، فلسطيني الهوى، مسلم الهوية". جالسته ساعة من الزمن، سألته عن كثير وأجاب متسلحًا بهدوئه وابتسامته، فاجأني أنه متزوج من فلسطينية وآثر الرباط في فلسطين عن العودة إلى بلاده التي قدم منها متضامنًا مع غزة قبل ثلاث سنوات. ترك الأهل والأحباب والأصحاب والأعمال، يقول: "إنه لم يشعر يومًا أنه بين أغراب"، مضيفًا أن الشباب حوله لا يشعرونه بأنه غريب، يجالسهم ويزاورهم ويسهر معهم كأنه منهم وهم منه. يختصر الأمر بالقول: "كأني انتقلت من مدينة إلى أخرى في بلدي الجزائر"، مشيرا إلى أن فلسطين كانت دومًا حاضرة في مخيلته خاصة منذ حرب غزة 2008، فزاد تعلقًا بها حتى حقق حلمه بالعيش فيها. حتى في عموم الجزائريين أوضح أن التعاطف مع الفلسطينيين حاضر لا غبار عليه عند الجميع بلا استثناء، وقال مازحًا: "حتى قطاع الطرق يتعاطفون مع الشخص إذا ما علموا أنه فلسطيني"..ضحكت بصوت عال على اعتبار أنها "مزحة" أخبرني أنها حقيقة حدثت، سألته كيف.. أجاب: حدث ذات مرة بعد ثورة 25 يناير، أن فلسطيني كان يسير في شارع يكثر فيه قطاع الطرق، وأنه وقع ضحية لأحدهم ظنًا أنه مصري، فأوقفه على أن يخرج ما في جيبه تحت تهديد السلاح الأبيض، أخبره أنه لا يملك سوى أجرة الطريق وأنه فلسطيني، فما أن علم بهويته الفلسطينية اعتذر له وعرض عليه أن يبيت عنده ليلته حتى لا يقطع عليه الطريق أحد غيره لا يتفهم حاله. تابع حديثه بالقول: "إن والديه كان لهما دور مشجع في الذهاب إلى فلسطين وقد قدما بعده للاحتفال بزفافه إلى عروسه الفلسطينية". وأوضح أن كثير من الجزائريين يرغبون بالقدوم إلى غزة خاصة متضامنين، غير أن بعض الشروط التي يضعها القائمون على الاشتراك في القوافل تحول دون تحقيق حلمهم. وبيّن أن من بين الشروط أن يساهم المتضامن في حملة المساعدات المحمولة مع القافلة، فضلا عن كلفة السفر وهو ما يشكل عائقًا عند كثير، إضافة إلى محدودة العدد لكل بلد مشارك في أي قافلة تضامنية لغزة. وأشار أبو عمر، إلى أنه يعرف غيره مكثوا في غزة وتزوجوا من بناتها وعادوا إلى بلادهم، وآخرين مثله بقوا حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا، حسب قوله. أبو عمر يطمح إلى استقرار دائم في غزة بعد تسوية أحواله الشخصية بشكل قانوني، خاصة وأنه بدأ أولى خطواته هذه بالزواج من فلسطينية. ويقول نشطاء وصحفيون زاروا الجزائر: "إنهم وجدوا تعاطفاً وحباً لفلسطين، عند الجزائريين قل مثيله عند غيرهم من العرب". والناظر إلى هويات المتضامنين العرب القادمين لغزة يجد هناك تزاحم من الجزائريين للقدوم إلى غزة المحاصرة. ووصلت أمس قافلة أميال من الابتسامات "27 "، وقافلة جزائرية إلى قطاع غزة عبر معبر رفح تضم 35 متضامنًا معظمهم جزائريين، وغادرت قبل شهر تقريبًا القافلة "26" وكان تضم متضامنين جزائريين أيضًا.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.