كم أغاظني خطيب الجمعة حينما بدأ بهجاء الربيع العربي، فسمَّاه حينا «صقيع عربي»، وأحيانا «رصيع» وما لم أعد اذكر على هذا الوزن! ينقسم المنخرطون بعملية شيطنة الربيع العربي إلى أربعة أقسام، وربما أكثر، ولكننا سنكتفي اليوم بالحديث عن هؤلاء. أولا- أولئك المتضررون من التغيير، المرتبطون بالوضع القائم، فهم يشعرون أنهم مهددون في مصالحهم، ويمكن أن يفقدوا امتيازات شخصية بحتة، في حال مضى قطار الربيع إلى مبتغاه، وهو ماض على كل الأحوال، ولا سبيل إلى إيقافه إلا بالركوب في إحدى عرباته، والمتضررون من التغيير هم على أنواع أيضا، فمنهم من يعتقد انه سيهدد مكتسباتهم التي حازوها في ظل ظروف معيَّنة، واستثنائية، وبعضهم يحسب أن ريح الربيع ستأتي بأشخاص غامضين، سيتنكَّرون لـ حقوقهم المكتسبة كأقليات دينية أو عرقية أو كفئات لبلابية «تعربشت» على أكتاف الأنظمة، فأضحت كالعلق الذي يتغذى على أجسام الكائنات! ثانيا- هناك من عشَّشت في رأسه عقلية المؤامرة، فهو يعتقد أن ثورات الربيع صناعة أمريكية أو إسرائيلية، أو غربية، ولا ينفع مع هؤلاء نقاش أو جدل منطقي، لأنهم يعتقدون أن كل شيء مصنوع خارج الحدود، ولا يفيد مع هؤلاء أن تأتيهم بتلال من الحقائق أو التصريحات التي صدرت وتصدر عن قادة غربيين وزعماء يهود، وتتحدث عن خطر الربيع على مصالحهم، ولا أريد هنا أن أفند ما لا يمكن تفنيده من اعتقاد استقر في وعي هذه الفئة من مشيطني الربيع، ولكنني أكتفي بما قاله اثنان من كتاب ومفكري الغرب، الأول توماس فريدمان قبل اشهر حينما قال بالحرف الواحد: إن إسرائيل تواجه أكبر تآكل في محيطها الاستراتيجي منذ قيامها. فقد تخلَّت عنها حليفتها القديمة تركيا. كما أن عدوتها اللدودة إيران تطور قنبلة نووية. والدولتان الأقوى على حدودها – سوريا ومصر- تهزهما الثورات. والدولتان الأضعف- غزة ولبنان- تحكمهما حماس وحزب الله! أما الثاني فهو نعوم تشومسكي -الذي يعتبر أحد أكثر المفكرين إثارة للجدل في العالم- حيث أبدى تفاؤلا حذرا بالربيع العربي الذي يراه نموذجاً تقليدياً لحركات شعبية قوية لا سيما في تونس ومصر وليس مؤامرة غربية على أنظمة ديكتاتورية خدمت الغرب نحوا من نصف قرن! ثالثا- من يشيطن الثورات العربية، هم من يعتقدون أن العدو اللدود لهم وللأمة هم الإسلاميون، وخطرهم أشد من خطر إسرائيل، فهم يعمدون إلى تصويرهم بأنهم يريدون إعادة البلاد والعباد إلى ما قبل ألف وأربعمئة سنة، وهؤلاء إمَّا أن لهم ثارات معينة مع الإسلاميين، أو يشعرون بتهديد لمصالحهم وحتى وجودهم، لأن لديهم صورة نمطية عن هذه الفئة التي صنعتها جملة من العناصر، وربما أضافت أخطاء الإسلاميين تشوهات إضافية لصورتهم عند هؤلاء! أما الفئة الرابعة التي تخشى الربيع، وأزهاره، فهم أولئك الذين ينفرون من التغيير من حيث المبدأ، من باب (اللي بتعرفه أحسن من اللي بتعرفوش) !! رغم الاخفاقات المرحلية التي سُجلت في دول الربيع العربي حتى الآن، ورغم محاولات التشويه والشيطنة، إلا أن ما حدث هو الصورة الأكثر طهرا ونظافة في القرنين الأخيرين في حياة العرب، وسيعلم أصحاب الشيطنة صدق ما أقول ولو بعد حين!
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.