ومن المهم الملاحظة أيضا أنه من الممكن أن يكون الخاطفون قد تخلصوا من أجهزتهم الاتصالية الخاصة مخافة أن تكون إسرائيل قادرة على تحديد موقع الأجهزة فتهتدي إلى مكان الخاطفين والمخطوفين. الاحتفاظ بالمختَطَفين الاحتفاظ بالمختطفين ليس عملية سهلة، بل معقدة كتعقيد عملية الخطف، هناك حاجة إلى مكان ملائم صالح للحياة البشرية ويتمتع ببيئة تحفظ السرية. من المفروض أن يكون المكان سريا وبعيدا عن أعين الناس وعن أعين أجهزة التنصت والاستماع الإسرائيلية، المفروض أن يكون المكان صحيا حتى لا تتضرر صحة المختطفين والخاطفين، ومن أجل المحافظة على حياتهم، وأيضا يجب أن يكون المكان مزودا بوسائل الصرف الصحي والمياه والحمامات والتكييف الهوائي والتلفاز.. إلخ، والمهم ألا تكون مداخل المكان مكشوفة للعيان، وأن تكون مموهة بطريقة تصنع الالتباس لدى الناظرين. سبق أن اكتشفت السلطة الفلسطينية مخبأ لحماس في قرية عوريف جنوب مدينة نابلس، كان المخبأ مذهلا من ناحية التصميم والتجهيز إلى درجة أن الحمام كان يتحرك كهربائيا، ودون أن يظن الناظر أن الحمام متحرك، وكان واضحا أن المكان معد لاختطاف إسرائيليين، لكن السلطة الفلسطينية قامت بواجبها تجاه أمن إسرائيل وتخلصت من المكان، وأيضا تردد أن السلطة الفلسطينية اكتشفت مكانا آخر شبيها في منطقة الجورة بالخليل. هذا يدل على أن حماس كانت تعد وتستعد لتنفيذ إستراتيجيتها في اختطاف جنود إسرائيليين، وإذا كانت حماس هي التي اختطفت المستوطنين فلا بد أنها قد أعدت المكان مسبقا، وطبعا عملية من هذا القبيل تحتاج إلى وقت طويل من التخطيط والإعداد وإلا يكون الفشل نصيبها. وقد مرت عدة أيام منذ الاختطاف لساعة إعداد هذا المقال ولا يوجد مؤشر على أن إسرائيل قد اهتدت إلى طرف خيط تبني عليه، مما يشير إلى أن العملية محكمة، وأن الخاطفين قد تدبروا أمرهم جيدا في إخفاء المأسورين، ولو لم يكونوا قد تدبروا أمرهم لقتلوا المأسورين وتخلصوا من عبء الاحتفاظ بهم. تحت الانتقام كالعادة، ستقوم إسرائيل بإجراءات قاسية وهمجية ضد الناس في الضفة الغربية وقطاع غزة، بدأت الحملة في الضفة الغربية بمداهمة منازل مدينة الخليل وبعض البلدات المجاورة لها مثل دورا وبني نعيم ويطا، وسيزداد التضييق مع الأيام، وسيشمل التدمير والتخريب في البيوت، كما قامت أيضا باعتقال ثمانين عنصرا من حماس خاصة أعضاء المجلس التشريعي المنتهية مدة انتدابه. ومن المحتمل أن تعيد إسرائيل تشغيل الحواجز على الطرق الرئيسية بين المدن وذلك للحد من حركة السكان ولتعقيد حياتهم اليومية، فهي عادة تلجأ إلى العقوبات الجماعية لتحدث شقا وهوة واسعة بين الجمهور الفلسطيني والمقاومة. تحاول إسرائيل مع السلطة الفلسطينية دائما أن تنقلا رسالة للناس مفادها أن المقاومة هي سبب معاناتهم، ولولا المقاومة لما قامت إسرائيل بأعمالها القمعية، أي أنهما تعملان على تحميل المقاومة المسؤولية وليس الاحتلال. هناك من بين الفلسطينيين من يشتري هذا المنطق "الأغلوطي" والذي يحمّل صاحب الوطن الآثام لصالح مغتصب الوطن، وقد دأبت السلطة الفلسطينية على الحرص على مقولة إن أمن الشعب الفلسطيني من أمن إسرائيل، وإذا أراد الفلسطينيون أن يعيشوا بهدوء فعليهم احترام الأمن الإسرائيلي، وهذا ما تعنيه الأجهزة الأمنية عندما تقول إنها تدافع عن الأمن الفلسطيني.أما بالنسبة لقطاع غزة فمن المحتمل أن تقوم إسرائيل بتوسيع دائرة استهدافها مواقع في القطاع، سيتم قصف العديد من المواقع العسكرية التابعة للمقاومة الفلسطينية ومواقع ومؤسسات مدنية أيضا، ومن المحتمل أن تتوسع الدائرة لتشمل اغتيالات لقيادات سياسية من حماس والجهاد. ومن ناحية أخرى، من المحتمل أن تكثف مصر حصارها لقطاع غزة بالمزيد لتختنق غزة وحماس معا، الجيش المصري يطبق على القطاع الآن، والمزيد من الضغط يؤلب القلوب ضد حماس، لكن حماس قد تجد فرصة لإعادة الحياة إلى تحالفها السابق مع قوى المقاومة في المنطقة، لقد تضررت حماس بسبب بعض مواقفها حيال بعض الأزمات في المنطقة، ومن الممكن أن تعود علاقاتها مع إيران وحزب الله إلى سابق عهدها. وفي المحصلة فإن الشعب الفلسطيني شعر بالقوة عقب الإعلان عن عملية الاختطاف حتى لو لم يكن متيقنا من الجهة الخاطفة، وقد تعرض للكثير من الأذى والحصار حتى لم يعد قادرا على التجوال في الطرقات العامة بالضفة الغربية، وأصبحت الطرقات مسرحا للمستوطنين. لقد تمادى الإسرائيليون في عدوانهم على الناس والأقصى دون أن يكون الفلسطينيون قادرين على الرد أو الانتقام، هذه العملية بعثت نوعا من الروح لدى الفلسطينيين، وستبعث الروح جليا إذا تأكد للناس أن الخاطفين فلسطينيون، سيدفع الفلسطينيون ثمنا بسبب الاعتداءات الإسرائيلية المترتبة، لكنهم على استعداد للتحمل من أجل كرامتهم وعزتهم. بالنسبة لإسرائيل، العملية عبارة عن إهانة كبيرة لأجهزة الأمن الإسرائيلية وللجيش الإسرائيلي، لقد أصيبت المخابرات الإسرائيلية بضربة قاسية أثبتت أنها ليست أخطبوطا ومن الممكن الالتفاف على كل إجراءاتها وأساليبها إذا توافر العقل الفلسطيني العلمي المدبر. لقد أصيبت هيبة الجيش الإسرائيلي، وستلقى إسرائيل هزيمة كبيرة فيما إذا فشلت في العثور على الأسرى واضطرت في النهاية إلى القبول بتبادل الأسرى