بعد أسبوعين ونيف على "اختفاء" ثلاثة مستوطنين من مغتصبة "غوش عتصيون" قرب مدينة بيت لحم جنوب الضفة الغربية واتهام الاحتلال لحركة حماس بالوقوف وراء العملية، تدور كثير من الاسئلة في الاذهان، هل هي مسرحية اسرائيلية اعدت واخرجت باتقان؟ وبالتالي هو "اختفاء" مبيت للجنود الثلاثة!!، أم أن المقاومة استطاعت فعلا ان "تأسرهم" صفقة تبادل شبيهة بتلك التي ابرمتها حماس مع الاحتلال قبل ثلاثة اعوام تقريبا، وعرفت بصفقة "وفاء الاحرار" او صفقة "شاليط". في كلتا الحالتين، سعى الاحتلال إلى توظيف تلك الحادثة لضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، فقد شنت اسرائيل هجمة غير مسبوقة على الضفة الغربية واجتاحت غالبية مدنها واعتقلت ما يزيد على 550 مواطنا غالبيتهم العظمى من حركة حماس، ومنهم رئيس المجلس التشريعي د.عزيز دويك ومعه 11 نائبا، إضافة لقيادات بارزة في التنظيم وكوادر محلية وغيرهم. ولعل أبرز المستهدفين كانت "اتفاقية المصالحة الوطنية" التي لم يمض على توقيعها سوى شهرين، تلك الاتفاقية التي اعلنت اسرائيل رفضها لها، وطلبت من الرئيس محمود عباس التراجع عنها مرات ومرات.. تهديد المصالحة لم يكن من طرف الاحتلال وحسب، فقد أثارت العملية ردود أفعال داخلية ما بين السلطة من جهة وحركة حماس من جهة أخرى، وصلت حد التهديد بانهاء هذا اللمف في حال ثبت ان حماس ضالعة فيها. تصريحات كل من الطرفين لا تنم عن وجود نواة خير للأيام المقبلة، فالاتهامات ستسبب مشكلة كبيرة أمام حكومة التوافق الوطني، ومن الواضح أن الصراع القديم بين الحركتين أساسًا لم ينتهي مع توقيع الاتفاقية، الطريق أمام الصلح الفلسطيني لا يزال مزروعًا بألغام كثيرة قابلة للاشتعال في أية لحظة ولكن تنتظر من يفجرها. الكاتب بكر عويضة في مقال له نشرته "العربية نت"، أمس السبت، يرى أنه "رغم صعوبة تقبل أي عاقل لاحتمال إقدام حركة حماس على خطف الثلاثة مستوطنين، بعد أقل من شهرين على توقيع اتفاق غزة مع حركة فتح، فإن قفل الطريق أمام استغلال بنيامين نتنياهو للحادث كي يفجّر المصالحة الفلسطينية، مسؤولية أكثر صعوبة تواجه كلا من حركة حماس، وحركة فتح، والسلطة الفلسطينية". ويكمل: "واضح للجميع أن رئيس الحكومة الإسرائيلية لم يخفِ رفضه لأي مصالحة فلسطينية من قبل أن تتم، بل كان يطلق صيحات التحذير من "مغبة" التوصل لأي تفاهم بين حركتي فتح وحماس طوال جولات الحوار التي تواصلت بضع سنوات حتى أوصلت لاتفاق غزة في الثالث والعشرين من نيسان". [title]المالكي وحماس[/title] التهديد بالمس بالمصالحة، لم يكن على لسان الاسرائيليين وحسب، بل أن وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي حذر في مقابلة أجراها مع وكالة (رويترز) من أن اتفاق المصالحة الأخير مع حركة "حماس" سيكون مهددًا فيما اذا كانت حماس تقف وراء عملية الخليل". المالكي أكد في حديثه أن الحكومة لن تتهاون ولن تقبل بحقيقة أن تستخدم حماس وتستغل حكومة المصالحة لتضرب المصالحة الوطنية للشعب الفلسطيني. وإلى أبعد من ذلك ذهب وزير الخارجية حينما تعهد بمنع أي رد فلسطيني على التصعيد العسكري الإسرائيلي الأخير، وقال: "لن ننجر إلى المواجهة وسنمتنع عن ذلك، وسنمنع الناس من الرد على التصعيد العسكري الإسرائيلي". أثارت تصريحات المالكي الكثير من السخط والجدل بين صفوف قيادة حركة حماس، حيث أعتبرها الناطق باسم حركة حماس فوزي برهوم في تصريح له عبر "الفيس بوك" نشره بأن تصريحات المالكي فاقت العدو في التحريض على الشعب الفلسطيني. وعلى الوتيرة نفسها رفض سامي أبو زهري الناطق باسم "حماس" في تصريح صحفي لوكالة "الأناضول" تصريحات المالكي حول قضية المستوطنين المختطفين واعتبرها انعكاسًا لمواقفه المشبوهة. وتابع "رغم أن قضية المستوطنين المختطفين لا زالت مرتبطة فقط بالرواية الإسرائيلية إلا أن سياسة خطف الجنود والمستوطنين ليست تهمة بل هي مفخرة عند كل أبناء وقوى شعبنا الفلسطيني". [title]موقف الرئيس[/title] وبعد صمت الرئيس محمود عباس لأكثر من أسبوع على ما يحدث في الضفة الغربية المحتلة، ردّ عباس على سؤال صحفية "هآرتس" حول مصير حكومة الوفاق الوطني. قائلا "إنه ليس لديه أية معلومات مؤكدة بأن حماس تقف وراء عملية الاختطاف". وأضاف: "هل توجد لدى نتنياهو معلومات كهذه؟ ولا أعتزم معاقبة أحد بسبب شبهات أو لأن نتنياهو يدعي شيئا ما، وعندما يكون لدى نتنياهو معلومات فليطلعني عليها وستعالج الموضوع وفقا لقوانيننا". وتابع عباس ملمحا إلى أنه في حال اتضح أن لحماس علاقة بالعملية، سيقرر كيف سيعمل، وسينبع موقفه من المصلحة الفلسطينية وسيتأثر من شكل علاقاته مع إسرائيل". [title]الهجوم على الارض[/title] وبعيدًا عن الكلام والمناوشات السياسية بين الطرفين، ما يحدث على أرض الواقع لا يهتم بهذه التصريحات، فالجيش الإسرائيلي يشن حملة عسكرية ضخمة في مختلف مدن الضفة كمحاولة لإيجاد الجنود الثلاثة غير أنها تستهدف بالدرجة الأساسية المس ببنية حركة حماس التحتية، وتوجيه المزيد من الضربات الموجعة لها، وهي التي لم تستفق بعد من ملاحقة السلطة لعناصرها طيلة سنوات الانقسام الفائتة. هذا ما أكده محللون إسرائيليون بأن حكومتهم وجيشها يهدفون من وراء توسيع عدوانهم العسكري ضد حماس في الضفة هو إعادة الفصل بين حركتي فتح وحماس في أعقاب المصالحة بينهما. ويرى المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هارئيل، في مقال نشره أن "معاقبة حماس تسمح بتنفيس غضب الجمهور الإسرائيلي، الذي يبدو أن غالبيته يؤيد توجيه ضربة عسكرية لها، كذلك فإن "عملية الاختطاف" عادت بمنفعة سياسية على نتنياهو، إذ تغيرت الأجندة السياسية بشكل كامل، بعد أن كان يسعى للدفاع عن نفسه على خلفية الأزمة الداخلية في حزب الليكود، الذي يتزعمه، وفشله في انتخابات الرئاسة". واعتبر "هارئيل" أن "التشديد على ضرب البنية المدنية لحماس يبدو كمباهاة وقد تتحول إلى عملية فارغة من المضمون، وداخل الجيش أيضا يوجد ضباط بدأوا بالتشكيك في نجاعة هذه الاتجاهات". إلا أنه لم يمكن التغاضي عن الأثر المعنوي الكبير الذي أحدثته العملية في نفوس الفلسطينيين، لا سيما في ظل الاعتداءات المستمرة على الأسرى في السجون الاسرائيلية، وتحديدا الاداريين منهم الذي علقوا اضرابهم عن الطعام بعد 63 يوما.. ما نمّ عن مدى تعلقهم بالمقاومة. إذ يشير "هارئيل" إلى أن العملية ستعزز من مكانة حماس كحاملة لراية النضال الفلسطيني على حساب حركة فتح المتمثلة بالسلطة الفلسطينية التي اعتبرت العملية عبارة عن جريمة.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.