14.14°القدس
13.93°رام الله
12.75°الخليل
18.97°غزة
14.14° القدس
رام الله13.93°
الخليل12.75°
غزة18.97°
الإثنين 06 مايو 2024
4.66جنيه إسترليني
5.24دينار أردني
0.08جنيه مصري
4يورو
3.72دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.66
دينار أردني5.24
جنيه مصري0.08
يورو4
دولار أمريكي3.72

خبر: القائد العطار.. رائدُ الجهاد والمقاومة

في موقف مهيب توقف الآلاف برهة وسط ميدان الشهداء، واصطفت الجثامين الطاهرة تجاور بعضها ورُفعت إلى الأعلى، شخصت حينها الأبصار ووجلت وقتها القلوب وتمازجت فيها مشاعر الحزن والفخر والشجن والعظمة، لحظاتٌ صعبة على تراب فلسطين وهوائها وبحرها وسمائها وأحيائها. تنحني الأقلام هنا إجلالاً أمام الحياة الزاخرة، وتقف الكلمات وجلة أمام عظمة البناء والجهاد، ويحتار الحرف كيف يكتب عن صنّاع المجد، وكيف يتحدث عن أبطال النصر والشهادة، وكيف سيتلو سطور تاريخ القادة، وكيف سيرتل حكاية الريادة وقصة الرائد، رائد العطار..! [title]رائد الحياة والابتسامة[/title] رائد صبحي العطار "أبو أيمن" 40 عاماً، ولد في 1/5/1974م في مدينة رفح جنوب قطاع غزة في بيتٍ متواضع جداً معروف بالتزامه ومحافظته في مخيم يبنا جنوب المدينة، وهو متزوج وأب لخمسة من الأبناء، كما يقول شقيقه لـ"[color=red]فلسطين الآن[/color]":"رغم انشغاله الشديد إلا أنه كان يتابع أبناءه في دراستهم ويروّح عنهم كل ما تتاح له الفرصة، وأمنيته لهم أن يحفظوا القرآن". عاش العطار يتيم الأب منذ الصغر، مميزاً بين إخوانه مدللاً جداً عند والدته حيث هو آخرهم وأصغرهم في بيت ضم 8 إخوة و10 أخوات وله مكانة خاصة بتميزه حتى كان يقول إخوانه:"كله لرائد"، تميز رائد بحرصه الشديد على صلة رحمه رغم المطاردة، ويتحدث شقيقه ويقول:"كان يتعامل معي كأخ ومن الضحك والمزاح الذي كان يمازحه كان يظن الناس أننا أصدقاء". درس العطار المرحلة الابتدائية في مدرسة "أ" المعروفة ب"أبو زهري" والإعدادية في مدرسة "أ الإعدادية" محباً للصيد وتربية الطيور، وأنهى دراسة المرحلة الثانوية في سجون السلطة حيث التضحية والمطاردة المبكرة، وكانت حياة الجهاد التي امتلكت عقله ووجدانه منعته أن يتم دراسته الجامعية حيث درس فصلاً واحداً في الجامعة الإسلامية متخصصاً في التاريخ، كما أفاد شقيقه الأكبر محمد. دائم الابتسامة والتفاؤل يصفه ابن شقيقه رغم الانشغال والانهماك الشديدين، في ذلك البيت المتواضع في إحدى شوارع يبنا والذي يتعجب كل من يراه، ولكن هذه حياة العظماء الذين عاشوا للآخرة ولأمتهم وفي سبيل قضيتهم. [title]مسيرة جهاد ورفيق درب[/title] عندما تتحدث عن أبي أيمن تتحدث عن أبي خليل "أبو شمالة" رفيق دربه وكما قال شقيق أبو شمالة:"كانا روحاً في جسدين"، جمعهما نفس العمر وحياة اليتم وذات جدران المخيم والمسجد والفكرة والمنهج والهدف وخاضا بطولات المطاردة والاعتقال عند الاحتلال والسلطة وكذلك سطرا مسيرة جهادٍ عظيمة صنعوا فيها تاريخاً، ليرافقا بعضهما في عبق الشهادة. منذ اندلاع الانتفاضة الأولى بدأت طريقهما وفي مقتبل عمرهما طورد القائدان عام 1992م وبرزت هذه المطاردة بعد استشهاد إبراهيم عاشور في مخيم يبنا ليصبحا من أهم المطلوبين للاحتلال، وتعرضا لثلاث محاولات اغتيال فاشلة، وسجنا عند الاحتلال الإسرائيلي لمدة عام ونصف، يزداد على ذلك ظلم السلطة ومطاردتها ومحاولات النيل منهما. ومع اندلاع انتفاضة الأقصى بدأ الإبداع وبنى خلالها القائدان جيش القسام إعداداً وتدريباً وتجهيزاً، خاضا فيه بعد ذلك معارك بطولية مع العدو الإسرائيلي في حرب الفرقان والسجيل والعصف المأكول، وكان أبرزها إشرافهما على حرب الأنفاق مروراً بعملية موقع ترميد وحردون العسكريين وبراكين الغضب ومحفوظة ونذير الانفجار والوهم المتبدد التي كانت تاريخاً حافلاً في القضية الفلسطينية وملف الأسرى خصوصاً الذي كان يتملك وجدانه وقلبه كحب تحرير تراب فلسطين كاملاً وعودة اللاجئين إلى قراهم ومدنهم. كان "أبو أيمن" شديد الفرح والسرور يوم أن أتم صفقة "وفاء الأحرار" وهو يقف أمام بوابة معبر رفح وينظر إلى مئات الأسرى من أصحاب المؤبدات والمحكوميات العالية أحراراً، ساعياً أن يخرجوا جميعاً بكافة فصائلهم وانتماءاتهم، ومن اللافت أن الصورة سجلت كيف كان يبحث صاحب القلب الكبير عن الأسير الفتحاوي تيسير البرديني ليصافحه بحرارة. في قوائم المطلوبين كان العدو الإسرائيلي دائماً يضع صورة البطل الذي أذلهم وأذاقهم الويلات والويلات عبر أكثر من عشرين عاماً. [title]ظلم ذوي القربى[/title] اعتقل أبو شمالة والعطار لدى الاحتلال لمدة عام ونصف وكذلك نفس الفترة قضياها سويا في سجون السلطة في العام 1999م إبان حادثة مقتل "رفعت جودة" حيث اتهمتهم السلطة بذلك وحكمت على العطار بالإعدام وأبو شمالة بالسجن المؤبد ظلماً كما نقل لنا شقيق العطار قوله يومها:"إن قتلت سألقى الله مظلوماً وسيظهر الله الحق ويعرف الجميع أني بريء من هذا الحادث أنا وزملائي" . وتوقف الحكم مع ثورة أهل رفح ضده خصوصاً من أهل مخيم يبنا واستشهد في هذه الأحداث شخصين من المخيم، وخرجا مع اندلاع انتفاضة الأقصى جراء قصف الاحتلال للسجن المركزي بغزة. ومما يروي شقيق العطار عنه أن "أبا أيمن رأى رؤيا في المنام أنه يفتح باب السجن، وقال له أحد المسجونين متعجباً وقتها: أنت تريد أن تفتح لنا وأنت محكوم عليك بالإعدام؟"، وبالفعل حقق الله له ما رأى وكان هو الذي كسر باب السجن. [title]عطاء إنسانيّ[/title] في كافة الميادين برع القادة، وفي جوانب الحياة وعطاءاتها قدّموا وبذلوا مقدرين الإنسان ويملكون الحب للناس, يميزهم بذلك مساعدة المحتاجين ونصرة الضعفاء وإصلاح العائلات المتخاصمة وفي قضايا كبيرة، تحدوهم مكانتهم في القيادة للسعي بالخير بين الناس وردّ الحقوق إلى أصحابها. ويذكر شقيق العطار الأكبر "أن امرأة قدمت لأبي أيمن تشكو إليه ظلم إخوانها لها حقها في الميراث , فاتصل بأهل المعرفة والاصلاح وطلب منهم أن يقسموا الميراث ويعطوا هذه المرأة حقها , وقال لهم: أبلغوا أهل البيت أن القسام من يتابع الموضوع". وفي موقف آخر يذكره ابن شقيقه "أن أحد الأشخاص ممن ضاق به العيش جاء لأبي أيمن يطلب وظيفة، فقال له أبو أيمن: لا يوجد وظائف في هذا الوقت، وأعطاه مالاً وساعده في فتح مشروع ليعتاش منه"، المرضى والعقيمون وأصحاب العمليات الجراحية والمحتاجون وغيرهم كانوا يتوسمون فيه الخير، وكان لا يرد منهم أحداً. صباح الواحد والعشرين من أغسطس المنصرم كانت فلسطين على موعد مع عرس الشهادة لقادة أبطال لطالما عشقوا تربها بتضحياتهم وجهادهم، أبو شمالة والعطار وبرهوم، حيث اغتالتهم طائرات الغدر الإسرائيلية بصواريخها فجر الخميس في حي "تل السلطان" غرب مدينة رفح جنوب قطاع غزة ليرتقوا بذلك شهداء كما كانت أمنياتهم على مدار أكثر من عشرين عاماً.