ويصور أليكس فيشمان -وهو كبير المعلقين العسكريين في الصحيفة ذاتها، ووثيق الصلة بدوائر صنع القرار الصهيوني- مشاعر خيبة الأمل التي تعصف بدوائر الحكم الإسرائيلية، بعدما فشلت محاولات المجلس العسكري في تأمين مكانة فوق دستورية لنفسه في الدستور المصري القادم. ويرى فيشمان -في مقال نشره بتاريخ 22/11/2011- أن عدم نجاح المجلس العسكري المصري في تأمين مكانة فوق دستورية خاصة، يعني مواجهة إسرائيل شرق أوسط جديدا، حيث يؤكد فيشمان أن صناع القرار في واشنطن وتل أبيب كانوا يأملون أن ينجح المجلس العسكري في تقليص قدرة القوى المعادية لإسرائيل على تحقيق الفوز في الانتخابات التشريعية المقبلة؛ بل وكانوا يراهنون على نجاح المجلس العسكري في ترجيح كفة مرشح للرئاسة يضمن الحفاظ على اتفاقية كامب ديفد من جهة، ويواصل ربط مصر بالمنظومة الغربية، على اعتبار أن ذلك "مصلحة قومية مصرية". [color=red]رهان إسرائيلي مبكر على العسكر[/color] إن إسرائيل أدركت منذ وقت بعيد الطاقة الهائلة الكامنة في علاقاتها مع نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، مما جعل وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق بنيامين بن إليعازر يصف مبارك بأنه "كنز إستراتيجي" لإسرائيل؛ لذا فقد جن جنون القيادة الإسرائيلية بعدما تم خلع مبارك.لكن الأمل الذي ظل يحدو حكام تل أبيب، كان يتمثل في السعي للحفاظ على نفس العلاقات مع أركان نظام مبارك التي ظلت تمارس صلاحيات الحكم بعد خلعه، لاسيما قيادة العسكر والمؤسسة الأمنية. وفي الوقت نفسه، خشيت محافل صنع القرار ودوائر التقدير الإستراتيجي في إسرائيل أن تسفر عملية التحول الديمقراطي في مصر عن المس بمكانة قادة العسكر والأمن في مصر، فاتجهت إلى واشنطن للتشاور حول كيفية تقليص "الأخطار" الناجمة عن التحول الديمقراطي في مصر. فبخلاف الانطباع السائد، فإن اللقاء الذي جمع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي باراك أوباما في نيويورك أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، قد بحث بشكل أساسي آليات التحرك الكفيلة بتقليص "المخاطر" الناجمة عن عملية التحول الديمقراطي في مصر، في أعقاب إجراء الانتخابات التشريعية. النقاش حول طلب السلطة الفلسطينية عضوية كاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة لم يشغل حيزاً كبيراً في اللقاء بين الاثنين، كما كشف عن ذلك التلفزيون الإسرائيلي. لقد بحث كل من نتنياهو وأوباما آليات للتأثير على المشهد السياسي المصري المستقبلي بشكل يخدم المصالح الإسرائيلية والأميركية، مع العلم بأن التوصية بهذه الآليات قد جاءت نتاج مباحثات مطولة أشرف عليها كل من رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي يعكوف عامي درور، ومستشار الأمن القومي الأميركي توم دنيلون. وحسب التصور الذي قدمه لواء الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية لحكومة نتنياهو، فإن المصلحة الإسرائيلية تقتضي أن تواصل قيادة الجيش المصري الاضطلاع بدور حاسم في عملية صنع القرار السياسي والعسكري المصري، في مرحلة ما بعد إجراء الانتخابات المصرية. وقد عبر وزير الدولة الإسرائيلي الجنرال يوسي بيليد عن أمله في أن يضطلع الجيش المصري بنفس الدور الذي كان يضطلع به الجيش التركي قبل صعود حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان. [color=red]توظيف أوباما[/color] لقد تعلم نتنياهو الدرس من تجربة تدخله الفج لصالح الرئيس مبارك في ذروة تفجر الثورة المصرية، عندما توجه علناً لقادة الدول الأوروبية وطالبهم بعدم السماح بإسقاط مبارك، حيث إن هذا التدخل المكشوف قد أدى -في حينه- إلى نتائج عكسية. ومن هنا، فإن نتنياهو يحاول حالياً أخذ الاحتياطات بشأن مستقبل العلاقة مع مصر، بشكل سري وبعيداً عن الأنظار، وذلك عبر تفاهمات مع الرئيس أوباماً. وحسب إسحق مولخو المستشار السياسي لنتنياهو فإن أكثر هاجس ظل يشغل بال رئيس الوزراء الإسرائيلي على مدى الأشهر الأخيرة هو السعي لتأمين "المخاطر" الناجمة عن عملية التحول الديمقراطي في الوطن العربي، وتحديداً في مصر. ومن الواضح أن نتنياهو قد قبل توصية شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الآنفة الذكر، وبالتالي يمكن القول إن نتنياهو ومساعديه قد أوصوا الرئيس أوباما بالضغط من أجل أن يحافظ العسكر في مصر على ثقل زائد في عملية صنع القرار السياسي، وذلك لمنع القوى السياسية المصرية التي يفترض أن تحكم مصر بعد الانتخابات من القيام بأي خطوة جدية تؤثر سلباً على المصالح الأميركية والإسرائيلية. وفي سعيهم لتجنيد الأميركيين للتأثير على مستقبل مصر، فإن الإسرائيليين قد حرصوا على تذكير أوباما بالمصالح الأميركية التي يمكن أن تتضرر جراء صعود قوى سياسية "متطرفة" للحكم في مصر، لاسيما الملاحة البحرية عبر البحر الأحمر وقناة السويس، وإمكانية أن ينشأ تكتل عربي معادٍ للولايات المتحدة بقيادة مصر في المرحلة المقبلة. [color=red]المخاوف الإسرائيلية[/color] إن الكابوس الذي يقض مضاجع صناع القرار في إسرائيل بسبب عملية تحول ديمقراطي حقيقية في مصر، يتمثل في المخاوف من صعود تيارات إسلامية وعلمانية للحكم تناصب الكيان الصهيوني العداء؛ مع العلم بأن بعض مبلوري التقديرات الإستراتيجية في إسرائيل يرون أن بعض التيارات العلمانية المصرية تتبنى مواقف أكثر تطرفاً تجاه إسرائيل من التيارات الإسلامية، بالإضافة إلى أن قدرة إسرائيل على نزع الشرعية عن هذه التيارات في المحافل الدولية ستكون محدودة في حال شاركت في الحكم، كما يقول وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي سيلفان شالوم.ويمكن القول إن تداعيات التحول الديمقراطي في مصر -التي تخشاها إسرائيل- تتمثل في التالي: أولاً: استنزاف الموارد الاقتصادية والبشرية الإسرائيلية جراء عدم التزام مصر باتفاقية كامب ديفد، وهي الخطوة التي سيترتب عليها إحياء الجبهة الجنوبية لإسرائيل كجبهة حرب، مع كل ما يتطلبه ذلك من تخصيص إمكانيات هائلة لهذه الجبهة، مع العلم بأن هذه الجبهة كانت أقل الجبهات كلفة بالنسبة لإسرائيل على مدى العقود الثلاثة الماضية. ومما يزيد الأمور تعقيداً أن هذا التطور يأتي في ظل ضائقة اقتصادية خانقة تعاني منها إسرائيل. وهناك في إسرائيل من يحذر من أن الحكومة المنتخبة في مصر لن تسمح بتواصل تزويد إسرائيل بمنتجات الطاقة المختلفة، مما يزيد عبء فاتورة شراء الغاز والبترول. ثانياً: انبعاث محور إقليمي قوي يغير موازين القوى في الوطن العربي بشكل جارف، ويمنع إسرائيل من مواصلة المناورة بين محوريْ الاعتدال والممانعة في الوطن العربي، كما أنه يؤذن بخسارة إسرائيل الذخر الإستراتيجي الأهم، والمتمثل في العلاقات الخاصة مع النظام الملكي في الأردن. وكما يقول رئيس جهاز الموساد السابق مئير دغان، فإن كارثة إستراتيجية ستحل بإسرائيل في حال تمت أي عملية تحول ديمقراطي حقيقية في هذا البلد، يخسر فيها القصر صلاحياته المطلقة، التي مثلت الغطاء للتعاون الأمني العميق والمتشعب بين إسرائيل وهذا النظام. ثالثاً: تغيير موازين القوى العسكرية بشكل واضح؛ حيث إن الافتراض السائد لدى صناع القرار في إسرائيل هو أن رئيسا وحكومة مصرية منتخبان سيعملان بشكل جاد على تغيير موازين القوى العسكرية الحالية، وضمن ذلك بذل جهود لتطوير أسلحة نووية. رابعاً: تقليص قدرة إسرائيل على العمل ضد حركات المقاومة الفلسطينية، حيث تفترض إسرائيل أن أي حكومة مصرية منتخبة لن تسلم بأن تواصل إسرائيل شن حملات عسكرية غير متناسبة ضد المقاومة الفلسطينية والتجمعات السكانية المدنية في الضفة الغربية وقطاع غزة. [color=red]قرع طبول المواجهة[/color] لقد كان بنيامين بن إليعازر -وقد كان أقرب الإسرائيليين إلى قلب الرئيس المخلوع حسني مبارك- هو الذي دعا دوائر صنع القرار في تل أبيب، وفي أكثر من مناسبة مؤخراً، للاستعداد لمواجهة مع مصر، بسبب التحولات المتوقعة في المشهد السياسي المصري بعد الانتخابات التشريعية. بن إليعازر توقع أن تسفر عملية التحول الديمقراطي في مصر عن صعود قوى سياسية مصرية يشكل صعودها للحكم تهديداً وجودياً لإسرائيل، وهو ما يستدعي –بشكل عاجل– بلورة إستراتيجية جديدة للتعامل مع الواقع الجديد. ويرى الجنرال عوزي ديان نائب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق، أن الجيش الإسرائيلي مطالب في المرحلة المقبلة ببلورة سلم أولويات جديد، وضمن ذلك إقامة قيادات جديدة في الجيش الإسرائيلي تعنى بمواجهة الخطر المصري، وتكثيف الأنشطة الاستخبارية ضد مصر، وتدشين وحدة عسكرية للعمل في قلب سيناء لإحباط عمليات عسكرية يخطط لها داخل الصحراء. يستدل مما تقدم على أن إسرائيل عملت في الخفاء على إحباط التحول الديمقراطي في مصر، وعندما أدركت أن هذه المهمة باتت مستحيلة؛ فإنها تستنفر حالياً للمواجهة، وهذا ما يجب على القوى السياسية المصرية الانتباه له والتحوط منه.