انهمرت القذائف وتكاثف القصف وتتابعت الصواريخ، وكأنها غزارة أمطار من سماء مظلمة مكفهرة روّت الأرض بحمرة الدماء وكستها بجثث الأشلاء، ولم ينمُ على إثرها إلا أشواك الجرح الذي يوخز آلامه عمق الذاكرة لمن فقد إنساناً أو شيئاً من نفسه أو الحياة. الأب بلا قدم وكذلك الابن، والأم بترت كلتا ساقيها والابنة أصيبت بشظايا وحروق، هذا هو حال عائلة "النملة" التي استشهد منها آخرون، لتبقى حكاية شاهدة على مجزرة ومأساة مدينة رفح خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة. [title]حكاية المجزرة [/title] وائل شريف النملة 27 عاماً من حي التنور شرق مدينة رفح يروي لـ"[color=red]فلسطين الآن[/color]" بعضاً من تفاصيل المجزرة التي شهدتها المدينة في الأول من أغسطس العام الماضي والتي خلّفت في ساعات قليلة قرابة 170 شهيداً ومئات الجرحى، وكان هو وأفراد عائلته أحد ضحاياها ومأساتها. صباح الجمعة التي اخترقت فيها "إسرائيل" التهدئة التي من المفترض أن تكون وقرابة الساعة التاسعة قررت العائلة الخروج من البيت في ظل القصف المكثف بكافة أنواع الصواريخ المحرمة دولياً والتي انهمرت على المواطنين المدنيين بلا رحمة. خرج وائل برفقة زوجته وأبنائه الاثنين وكذلك أخيه يوسف مع زوجته وابنهما، خرجوا هرباً من جحيم القذائف، و"بعد أن ابتعدنا قرابة كيلو ونصف عن البيت لاحقتنا طائرات الاستطلاع الحربية الإسرائيلية بصاروخين لتصيبنا مباشرة" هكذا قال وائل. عند دخولك في الشارع المؤدي لمنزل عائلة النملة وعلى مدخله وفي المكان التي حصلت فيه المجزرة تماماً ترى مشاهد الدمار الكلي الذي لحق بالمنازل وأعداد قذائف المدفعية التي دمرت أخرى. [title]عائلة تدمرت [/title] "أنا تدمرت كلي، لا يوجد أمل في الحياة، تدمرت عائلة كاملة، نحن عايشين ولكن في عداد الأموات" بهذه الكلمات المؤلمة عبّر "وائل" عن حالته وأفراد عائلته. لم يعي وائل بعد القصف شيئاً إلا بعد أن أفاق من غيبوبته ليجد قدمه اليمنى قد بترت واليسرى فيها تهتك شديد، وأفاد أن قدمي زوجته الاثنتين قد بترتا، مبدياً حزنه أنها لا تستطيع أن تمارس أي عمل أو شيء في حياتها. فقدت العائلة في ذلك القصف ثلاثة من أفرادها، حيث استشهد أخ وائل وهو يوسف النملة 26 عاماً مع زوجته، وكذلك استشهدت أخته أنغام 11 عاماً. كما وأصيب في القصف الرضيع "قصي" نجل الشهيد يوسف بحروق وشظايا، بينما أصيبت الطفلة "عبير" سنتان بحروق وشظايا وهي ابنة المصاب وائل، وكذلك أصيبت "شهد" 10 أعوام بالحروق وهي أخت المصاب وائل. وفيما يخص نجله الطفل "شريف" البالغ (3 أعوام)، أوضح والده أن قدمه اليسرى قد بترت وتهتكت قدمه اليمنى، وقال: "عنده تمزق في الشبكية في عينه اليمنى ولا يرى فيها نهائيًا". وتابع بحزن بالغ: "إذا لم أؤسس له مستقبلاً فلن يكون له شيء". كان مشهد المجزرة "فظيعاً" كما يصف أهالي المنطقة والأشرس على مدينة رفح، ووصف أحدهم:"الناس كانت تهرب وتنتظر الموت ولا تعرف أين ذاهبة، وترى الشهداء على الأرض ولا تملك أن تفعل شيئاً". [title]لاستكمال الحياة [/title] وشدد النملة خلال حديثه أن الاحتلال الإسرائيلي تعمد قصف المدنيين، مؤكداً أنه خرج مع عائلته برفقة أطفال عزل، خاتماً قوله: "حسبنا الله ونعم الوكيل". ووجه النملة رسالة لكل العالم وأصحاب الضمير والمؤسسات والحكومات بضرورة مساعدته في استكمال علاجه وأفراد عائلته لتركيب أطراف صناعية ليستكملوا مسيرتهم في الحياة. كما وطالب بتوفير مسكن خاص له خاصة أنه يعيش في بيت أهله ويجد صعوبة في الصعود إلى الطابق العلوي والنزول منه، وطالب بمساعدته بفتح مشروع ليعتاش منه وأفراد أسرته. وببعض كلمات الأمل ختم النملة حديث بقوله: "لا أقوم بعمل أي شيء، وعند توفر الإمكانيات والمال سأمارس حياتي بشكل طبيعي". عائلة النملة أنموذجُ واحد من آلاف العائلات الفلسطينية التي طالها القصف والموت والدمار، وما زالت تعيش العذابات والآلام جراء ما تعرضوا له خلال الحروب الإسرائيلية على قطاع غزة، وخاصة الحرب الأخيرة في العام الماضي والتي خلفت آلاف الشهداء والجرحى، ودمرت آلاف البيوت والمنشآت. [img=022015/view_1424157455.jpg]الأب والأم والأبن فقدوا بعض أطرافهم السفلية[/img] [img=022015/view_1424157518.jpg]الأب والأم والأبن فقدوا بعض أطرافهم السفلية[/img] [img=022015/view_1424157528.jpg]الأب والأم والأبن فقدوا بعض أطرافهم السفلية[/img] [img=022015/view_1424157535.jpg]الأب والأم والأبن فقدوا بعض أطرافهم السفلية[/img]