تشهد المنطقة العربية الإسلامية حربا ولو محدودة على الإخوان المسلمين باعتبارهم جماعة تعمل "للسيطرة على بعض الدول واحتكار السلطة". فمثلا يعاني الإخوان من ضائقة شديدة في مصر، وهم مصنفون على أنهم إرهابيون، وما زال الإعلام المصري يشن حملة إعلامية واسعة عليهم ويقول بحقهم ما هو صحيح وما هو من قبيل التجني. ويعاني الإخوان أيضا من أوضاع صعبة وملاحقات في دول عربية أخرى مثل دولة الإمارات العربية، وسبق لهم أن لوحقوا وضربوا في سوريا. الآن تشتد الحملة الإعلامية ضد ما يسمى الإسلام السياسي، والإخوان متهمون بأنهم يجسدون الإسلام السياسي الذي يحاول إلغاء الآخر وحكم الناس وفق تعاليم الفقهاء بالشريعة الإسلامية، وتدمير الدولة المدنية التي تقوم على مبادئ الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة واحترام الرأي الآخر واحترام المواطن بغض النظر عن طيفه الديني أو العرقي أو الجنسي. ومع هذه الحملة يعاني أصحاب الفكر الديني من العديد من الملاحقات والحرمان والحملات التعبوية ضدهم. الإخوان والإسلام السياسي لا أعرف حقيقة من الذي صاغ مفهوم الإسلام السياسي ولماذا صاغه، لكنه مفهوم غير واضح المعنى وفضفاض ويمكن إخضاعه لعدد من التعريفات وفق وجهات نظر المعرفين. والغريب أن المصطلح يتميز بوقع غير مريح بالأذن، ويؤشر على اتهام وربما استهزاء أكثر مما يؤشر على مصطلح علمي يمكن تناوله بالدراسة والتمحيص. هناك العديد من النظريات والأطروحات الفلسفية التي اجتمع الناس حولها وتبلورت فيما بعد إلى اتجاهات سياسية، لكننا لم نجد من يقول الاشتراكية السياسية أو الرأسمالية السياسية. هذه نظريا تؤسس لمنهج حياة، وأصحابها عملوا على خوض الانتخابات في بلدان عدة، ومنهم من فازوا ومنهم لم يفوزوا، وقد عمل الذين فازوا على تطبيق ما يؤمنون به، وحاولوا استقطاب جمهور الناس ليتحولوا إلى ملّتهم الفلسفية. لم يتعرض هؤلاء لأي تصنيفات مؤذية أو إلى هجمات إعلامية واسعة كما يتعرض الإخوان المسلمون. فهل من العلمية أو الموضوعية في شيء أن يتم استنفار قوى عديدة لتسليط الضوء على ذم الإخوان المسلمين والتنكر لحقهم في خوض الانتخابات، بينما يسلم الآخرون من التشهير ونكران الحقوق؟ الديمقراطية وقبول الآخر السؤال الذي يطرح نفسه دائما: هل من الديمقراطية أن يجيز المرء أو الحزب لنفسه نشاطا سياسيا ويمنعه عن الآخرين؟ لماذا يحق لي ولا يحق لغيري؟ التمييز في الحقوق ليس من الديمقراطية، وقد أخذ مثقفون وأكاديميون الآن -ومن المعروفين في دفاعهم عن الديمقراطية- يشنون حملات واسعة ضد الإخوان المسلمين والتنظيمات الإسلامية المختلفة حتى لو لم تكن إرهابية بسبب تبنيها الإسلام أو الفكرة الإسلامية. هؤلاء لا يمكن أن يكونوا ديمقراطيين، وهم يقبلون الديمقراطية لأنفسهم لكنهم ينكرونها على الآخرين، هذا تناقض غير مقبول، ومن يمارس حرمان الآخرين من حقوقهم لا يمكن أن يكون متبنيا للفكر الديمقراطي. والذين يلاحقون الإخوان المسلمين الآن يقولون إنهم ليسوا إقصائيين وهم ضد إقصاء الآخر، ومن المفروض أن يكون الباب مفتوحا أمام الجميع من دون تمييز، هذا إن كان للمجتمع أن يبقى موحدا. فإذا نظرنا إلى مصر الآن، يسوق مؤيدو النظام القائم مسألة الإقصاء كسبب أساسي في الخروج على الرئيس محمد مرسي، ويتهمونه بالعمل على أخونة مصر، ولكن إذا قارنا ما قام به مرسي من إقصاء مع ما تفعله السلطات والمحاكم المصرية الآن نجد أن النظام الجديد أشد وأعظم إقصاء للآخرين مما كان يفعله مرسي. مصر الآن حظرت تنظيم الإخوان وسلبتهم حقوقهم السياسية، وما زالت تشن عليهم حملات إعلامية واسعة جدا. أما المحاكم المصرية فأغرقت نفسها بأحكام إعدام جماعية ستدين العمل السياسي المصري لفترة طويلة من الزمن، وربما تتحول إلى شواهد تاريخية على ضيق أفق جزء من السياسيين المصريين. إذا كان الآخر لا يقبلنا فذلك يجب ألا يعني أننا نرفض الآخر. من المبادئ الديمقراطية، ومن المبادئ الإسلامية أيضا، ألا يغلق باب الحوار والتفاهم لما في ذلك من مكاسب للجميع وللمجتمع ككل. إذا رفَضَنا الآخر فإن علينا أن ندعوه إلى الحوار وطاولة التفاهم علّ وعسى أن نصلح ذات البين فتستقيم الحياة العامة، ولا يجوز الرد على الإقصائيين بحروب وملاحقات أمنية. الاتهام بالإرهاب لا يحق للإرهابي أن يتهم الآخرين بالإرهاب حتى لو مارسوه. الأنظمة العربية هي الإرهابية وهي التي أبقت الإنسان العربي في حالة ذعر مستمر من خلال أجهزتها الأمنية بخاصة جهاز المخابرات. الأنظمة العربية هي آخر من يحق له الحديث عن الإرهاب والإرهابيين. طبعا لا نستطيع إلا وضع أميركا و(إسرائيل) على قمة قائمة الإرهابيين بالعالم، فـ(إسرائيل) وأميركا تكثران من الحديث عن الإرهابيين، وهذا هو شأن من يرى التهم تلاحقه فيهرب من أمام متهميه باتهام الآخرين. الأنظمة العربية تتهم الإخوان بالإرهاب، لكن نريد أن نعرف من هو النظام العربي الأقل إرهابا من إرهاب الإرهابيين. لو قارنا مثلا ما قام به مرسي بما يقوم به السيسي الآن فمن سنجده أكثر إرهابا؟ المسألة تحتاج إلى دراسة وافية وعلمية وموضوعية، وليس إلى وسائل إعلام تتحدث وفق أمزجة، بل وفق معطيات موضوعية واضحة للعيان. أما حديث النظام المصري الآن عن إرهاب الإخوان في الشوارع، فقد سبق أن كتبت حول هذا الموضوع، وكانت وجهة نظري تقول إن مصر تغامر باستقرارها بسبب ملاحقتها للإخوان، ويجب ألا يتوقع أحد أن الإخوان سيبقون صامتين وهادئين أمام الإجراءات التي يتعرضون لها.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.