لم يفتح معبر رفح المنفذ الخارجي الوحيد لسكان قطاع غزة مع مصر إلا أيامًا معدودة منذ بدأ العام الجاري، في حين فتحته السلطات المصرية 125 يومًا في العام المنصرم، وفق إحصائيات رسمية. 35 ألف حالة إنسانية، مرضى، طلاب وأصحاب إقامات، يرقبون صباح مساء كل يوم خبرًا عاجلًا يخبرهم بفتح معبر رفح البري الذي تتوقف عليه حياتهم ومستقبلهم. احتجاجات ووقفات ومناشدات، لم تجد آذانًا صاغية عند الحاكم المصري أو لدى رئيس السلطة محمود عباس الذي صرّح مرارًا أنه "يُقدّر دوافع مصر لإغلاق معبر رفح"، في حين قال نظيره المصري عبد الفتاح السيسي إن "معبر رفح تحت أمر عباس في أي وقت يشاء يستطيع إعادة فتحه". بين هوى عباس الناقم على غزة وحماس، وقرار السيسي ونظامه الذي صنف الحركة "إرهابية"، تضيق حياة العشرات ويضيع مستقبل آخرين. ووفق مدير المعابر في غزة ماهر أبو صبحة، فقد غادر عبر معبر رفح عام 2010 نحو 85 ألفًا، وفي 2011 نحو 130 ألفًا، و2012 نحو 209 ألف شخص، و2013 قرابة 152 ألفًا، وعام 2014 قرابة 52 ألفًا بينهم 25 ألف معتمر. كان وقع القرار المصري باعتبار حماس إرهابية، وقع الصاعقة على أصحاب السفر؛ إذ فقدوا الأمل بفتح المعبر، فهم يرون أن الحكم أضاف جدارًا أسودًا وراء البوابة السوداء للمعبر، حتى قال أحدهم "نحمد الله أن أرواح شهدائنا وموتانا لا تصعد إلى السماء عبر معبر رفح". [title]استغلال للحاجة[/title] أمام حاجة الناس الملحة إلى السفر، ظهرت "إسرائيل" كمنقذ مخلص، مستغلةً الحدث لتجميل وجهها القبيح خاصة بعد إجرامها بحق غزة في عدوان صيف 2014، الذي كانت جلّ أهدافه من الأطفال والنساء والشيوخ. ومع تساهل السلطة التي توافق مصر في إجراءاتها العقابية ضد غزة، أبدت سلطات الاحتلال تساهلًا في سفر الفلسطينيين عبر حاجز بيت حانون (إيريز) شمال قطاع غزة. وبينما سافر عبر معبر رفح منذ مطلع هذا العام نحو 1500 شخص فقط، بينهم 176 تنسيقات مسبقة تشترط السلطات المصرية سفرهم، سمحت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بسفر 25 ألف فلسطيني تقريبًا خلال نفس الفترة عبر معبر بيت حانون الذي تشرف عليه. ويمر بعد ذلك المسافرون عبر معبر الكرامة مع الأردن ومنه إلى وجهتهم الخارجية. ولا تعترف سلطة المعابر بغزة به معبرًا؛ بل تسميه حاجزًا عسكريًا كونه تشرف عليه سلطات الاحتلال. ويتعرض المسافرون عبر هذا الحاجز إلى التحقيق من قبل المخابرات الإسرائيلية والابتزاز للعمل كمخبرين وعملاء، وفق شهادات العديد من المرضى سافروا للعلاج في الضفة أو القدس ثم عادوا إلى غزة. ولا تسمح مخابرات الاحتلال بسفر أحد إلا بعد الموافقة الأمنية، في حين ترجع آخرين، بينما يرفض كثيرون السفر من خلاله خشية التعرض للاعتقال لسبب أن لهم أقرباء شهداء أو أنهم عناصر في المقاومة الفلسطينية. وكانت سلطات الاحتلال اعتقلت عددًا من رجال الأعمال بعد سماحها لهم بالسفر عبر معبر (إيريز)، بزعم دعمهم حركة حماس. [title]السلطة توافق مصر والاحتلال[/title] ورغم المخاطر الأمنية لهذا الحاجز الإسرائيلي؛ إلا أنه يبدو وكأنه مقبول ومريح لصناع القرار في مقاطعة رام الله. وصرح محمود الهباش مستشار عباس للشؤون الإسلامية أنّ التطورات في اليومين الأخيرين حالت دون الوصول إلى اتفاق بفتح معبر رفح خاصة للمعتمرين. ومع دخول موسم العمرة، وانتظار المسجلين فتح المعبر للسفر، أشار الهباس إلى أن خيار سفر المعتمرين عبر معبر "ايرز" أصبح مطروحًا وبقوة. وتحدث الهباش عن الوضع الأمني في سيناء الذي وصفه بأنه شديد التعقيد، مشيرًا أن الجهات المصرية المختصة أبلغته أنّه لا يوجد ضمانات لسلامة المسافرين من قطاع غزة من جهة والعاملين المصريين في المعبر من جهة أخرى. وحمل حماس كعادته المسؤولية عن تعقيد الأمور، قائلًا إن "التظاهرات التي أطلقتها حماس في غزة في أعقاب قرار المحكمة اعتبارها إرهابية والهجوم الإعلامي على مصر عقّد الأمور التي كانت في طريقها للحل". وأضاف أنه وبعد قرار المحكمة المصرية هذا، أصبح الطرف الموجود على الجانب الفلسطيني من المعبر غير مرغوب به، وقال: "حماس التي تسيطر على المعابر أصبحت مرفوضة بشدة من الجهات المصرية". وأكّد مستشار عباس للشؤون الإسلامية، أن الجهات المصرية المختصة تؤكد أنه لفتح معبر رفح بشكل دائم ونهائي فلا بد من وجود الحرس الرئاسي الفلسطيني على المعابر، مطالبًا حركة حماس برفع أيديها عن المعابر قائلًا: "إن أردتم التخفيف عن المواطنين في القطاع، فارفعوا أيديكم عن المعابر". واعتبر الهباش في تصريحاته أن "مصر حرة في قراراتها"، مؤكدًا أن التعامل مع أي فصيل فلسطيني هو جزء من السيادة المصرية، موضحًا أنه طالما تتعامل مصر مع الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني "منظمة التحرير"، فهذا هو المهم وما دون ذلك فهي أمور ثانوية، على حد قوله. وبينما تسيء مصر (أم الدنيا) إلى عروبتها بمعاقبة الفلسطينيين، فإنها تعطي "إسرائيل" فرصة ذهبية، لتجميل صورتها التي تشوهت كثيرًا، واتسع نطاق مقاطعتها اقتصاديًا وأكاديميًا، ويبقى الفلسطيني ضحية الطرفين.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.