ثمانية أطفال صينيين، أربعة من الذكور ومثلهم من الإناث، أثارت ولادتهم عاصفة من الجدل لا تزال مستمرة منذ عدة أسابيع، لأنهم إخوة ولدوا في شهر واحد في بلد يفرض سياسة الطفل الواحد منذ عدة عقود. اشترك في إنجاب هؤلاء الأطفال ثلاث نساء، واحدة هي أمهم التي تحملت عناء الحمل وآلام المخاض بثلاثة منهم فقط، أما الخمسة الآخرون فلهم شأن آخر. أم الثمانية سيدة موسرة تعيش مع زوجها الغني في فيلا فاخرة في مدينة غوانجو جنوبي الصين، أوتيت من زينة الحياة الدنيا المال الكثير وحرمت من البنين، فقررت هي وزوجها اللجوء إلى ما يعرف باسم "أطفال الأنابيب". قام الزوجان بتخصيب خارجي لثمان بويضات من الزوجة في أحد المختبرات الطبية في المدينة، وزُرعت ثلاث منها في رحم الزوجة، بينما زرعت البويضات الخمس الأخرى في رحمي امرأتين استؤجرتا لهذا الغرض. بعد ولادة الأطفال الثمانية سخّر الزوجان 11 امرأة بين مرضعة وخادمة ومنظفة للاعتناء بالأطفال والسهر على راحتهم، براتب شهري تجاوز 15 ألف دولار لهن جميعا. [title]عيون الحساد[/title] لم تسلم الأسرة بالطبع من "عيون الحساد"، فقد تحولت القضية إلى مادة دسمة في وسائل الإعلام الصينية وعلى صفحات الإنترنت، وأثارت جدلا ساخنا. فالبعض اعتبرها خرقا فاضحا للقانون الذي يسمح بإنجاب طفل واحد فقط. وتساءلوا هل هذا ينطبق على الفقراء ولا يشمل الأغنياء؟ واعتبر البعض الآخر أن القضية تطرح أسئلة أكبر من ذلك بكثير تتعلق بقضايا أخلاقية لم يعهدها المجتمع الصيني من قبل، بالإضافة إلى أسئلة قانونية عمن هي الأم الحقيقية للطفل مثلا، هل هي صاحبة البويضة أم من أجرّت رحمها أم من ربّت؟ مكتب إدارة الصحة في إقليم غواندونغ سارع إلى تشكيل فريق خاص لدراسة القضية، في حين تعهّد مكتب تنظيم الأسرة بمعاقبة الزوجين على انتهاكهما قانون الطفل الواحد وبمعاقبة المستشفى الذي أجرى العملية كذلك. ومع أنه لا تتوفر إحصاءات رسمية دقيقة عن عدد "أطفال الأنابيب" في الصين، فإن بعض مؤسسات المجتمع المدني ترجح أن عددهم خلال العقود الثلاثة الأخيرة قد تجاوز 25 ألف طفل. ويرى خبراء أن السبب وراء إقدام الأزواج على هذا الأسلوب من إنجاب الأطفال هو ازدياد معدلات العقم وأمراض الإخصاب التي ارتفعت خلال الأعوام العشرة الأخيرة من 3% إلى 12%، أي ما يعادل حوالي 40 مليون نسمة، وفق تقديرات وزارة الصحة الصينية. وتشهد مراكز التلقيح الاصطناعي أو أطفال الأنابيب ازدهاراً متسارعاً في المدن الصينية الكبرى، رغم ارتفاع أسعارها التي تقدر بحوالي 60 ألف دولار. وإذا رغب الزوجان في الحصول على ذكر، فعليهما إضافة خمسة آلاف دولار أخرى، فليس الذكر كالأنثى. أما إذا رغبا في الحصول على توأم فإنه يجب عليهما مضاعفة المبلغ ليصل إلى 10 آلاف دولار إضافية. وتعلل هذه المراكز غلاء الأسعار بدقة وصعوبة اختيار النساء اللائي يرغبن في تأجير أرحامهن واشتراط تمتعهن بصحة جيدة وخلوهن من أية أمراض وراثية، وخضوعهن الدائم لبرامج غذائية ورقابة صحية صارمة. [title]تجارة سوداء[/title] في هذا السياق، نمت فروع وملحقات أخرى لهذه التجارة المستحدثة، إذ ازدهر ما سمي بالسوق السوداء لبيع البويضات، وشكلت طالبات الجامعات هدفا لهذه السوق، خاصة أن "الزبون" يبحث عن الأفضل "لطفله المنتظر"، وبالتالي فإنه بالتأكيد سيفضل الذكي الوسيم. ويعتقد الصينيون أن صفتي الوسامة والذكاء وراثيتان، يجب أن تتوفرا في جينات البويضة. ولهذا فإن الفتاة الجامعية التي حباها الله بعلم وجمال فتحت لها "أبواب حظ جديدة"، "بدخل" قد يتجاوز بكثير ما يمكن أن تحصل عليه بعد تخرجها، إن وجدت فرصة عمل. فقد كشف النقاب عن أن طالبات من بعض الجامعات الصينية بعن بويضاتهن مقابل ستة آلاف دولار. أما إذا كنّ من طالبات جامعات مشهورة كجامعتي بكين وتشينغهوا فإن السعر سيكون أعلى بالتأكيد. وقد زاد هذا الأمر حدة الجدل في المجتمع الصيني حول كل هذه الظواهر الجديدة والغريبة عليه، والتي هبت رياحها مع دخول الصين في عهد الانفتاح وفي زمن اقتصاد السوق، وباتت تعصف بتراث وتقاليد اجتماعية حافظ عليها المجتمع الصيني طوال قرون. وفي الوقت الذي بدأت فيه أصوات كثيرة تعلو للمطالبة بسن قوانين صارمة تقوم على أسس علمية وأخلاقية تتفق مع خصوصية المجتمع الصيني وتقاليده لتنظيم عمليات إنجاب "أطفال الأنابيب" وتأجير الأرحام وبيع البويضات، فإن الصينيين لا بد أن يتذكروا مهندس سياسة الإصلاح والانفتاح زعيمهم الراحل دينغ شياو بنغ الذي حذرهم قبل رحيله من أن "ترك الأبواب والنوافذ مشرعة، لابد أن يتسرب معه الكثير من الذباب والبعوض".
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.