18.02°القدس
17.74°رام الله
16.64°الخليل
22.81°غزة
18.02° القدس
رام الله17.74°
الخليل16.64°
غزة22.81°
الجمعة 11 أكتوبر 2024
4.92جنيه إسترليني
5.32دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.77دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.92
دينار أردني5.32
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.77

خبر: الاتفاق النووي واستراتيجية الفخ المتبادل

بإنجاز اتفاق الإطار النووي تكون إيران قد قطعت شوطا مهما من تحقيق رؤيتها الاستراتيجية لتكون لاعبا استراتيجيا في "نادي الكبار" أو ما يسمى اصطلاحا "5+1" حسب ما أطلق عليه خلال الفترة الماضية. إن قدرة إيران على تحقيق ذلك يعتبر إنجازا من الوزن الثقيل وهو شهادة لها على إجادة تحقيق أهدافها الاستراتيجية من خلال إمكانياتها وتكتيكاتها التفاوضية في أعتى "صراع أدمغة" تخوضه مع الغرب. هي استراتيجيات متبادلة المصالح؛ لكنها دائما لصالح الأقوى؛ فبتوقيع اتفاق الإطار النووي بين إيران والغرب؛ تعتبر أميركا أنها حققت إنجازا من وجهة نظرها لمصالحها؛ وكذلك إيران تعتبر أنها حققت أهدافها من وجهة نظرها؛ والدهاء السياسي والاستراتيجي أن يستغل أحدهما الآخر لتحقيق مصالحه؛ والاتفاق الحالي بوزن النووي وأكثر؛ يعمل لصالح إيران؛ التي أنهكها الحصار؛ والاتفاق بمثابة ضخ روح جديدة في دمائها؛ وإطلاق ليديها في المنطقة؛ والخاسر الأكبر فيه هو العالم العربي ومن ثم تركيا فروسيا. وقد اجتمع خلال هذه المفاوضات كل من الخبث الأميركي والدهاء الإيراني؛ حيث إن كلا منهما خاضا تجارب حروب مختلفة انتهت بعدم تحقيق أهدافهما كل على انفراد؛ فأميركا خاضت حروب فيتنام وأفغانستان والعراق واعترفت بكل صراحة أنها خسرت بل فشلت استراتيجيا في هذه الحروب ؛ وأصبح لديها توجه أو حتى قرار استراتيجي بعدم العودة إلى خوض هكذا حروب تقليدية؛ إنما خوضها وفق مفاهيم الأجيال الجديدة من الحروب كالحرب بالوكالة أو إثارة الفتن وإشعالها بين أعدائها وأعدائهم أو خصومهم؛ أي الجيل الرابع والخامس من الحروب وهي حروب غير مكلفة أو مستنزفة لها كما في الأجيال الأولى. أما إيران فبعد حربها الطويلة مع العراق في ثمانينيات القرن الماضي؛ فقد قررت أن تخوض حروبها بطريقتها الخاصة؛ والتي أصبحت فيما بعد استراتيجية إيرانية مبتكرة؛ والتي استطاعت بها فرض هيمنتها على العديد من المناطق في الإقليم من خلال النفس الطويل والتزويد بالمال والسلاح حتى لا تتكرر تجربتها المرة في العراق. وهي تكاد تكون مشابهة للاستراتيجية الأميركية في الجيل الرابع والخامس من الحروب مع وجود بعض الاختلافات الجوهرية والطفيفة؛ لكنها تبقى حروبا ذات بعد عسكري وجيوسياسي معا؛ بل وأكثر تمددا وأسهل انتشارا وانكماشا وقت الحاجة؛ ومن الممكن تحولها إلى خلايا نائمة إذا ما اضطرت إلى ذلك تحت أي نوع من الضغوط السياسية أو العسكرية أو الأمنية أو حتى الاجتماعية والاقتصادية. لم يعد خافيا في "اللعبة الاستراتيجية الكونية" أن كلا من أميركا وإيران تلعبان بإتقان لعبة "استراتيجية الفخ". فإيران تعتبر وأميركا تعترف أنها أوقعت إيران في فخ حرب "إيران -العراق" في ثمانينيات القرن الماضي بهدف استنزاف الثورة الإيرانية في مهدها حفاظا على مصالح أميركا وخشية تمدد إيران وتصدير ثورتها. وفي المقابل أميركا تعتبر وإيران تعترف أن إيران مهدت بوسائل متعددة لإيقاع أميركا في "فخ العراق" لتحقق هدفين استراتيجيين: أولهما إسقاط صدام حسين العدو اللدود لإيران ثأرا للحرب الثمانية؛ و ثانيهما لإدراكها أنها ستوقع أميركا في حرب استنزاف طويلة مع المقاومة العراقية وبدعم سخي من إيران؛ ومن ثم تنسحب أميركا تاركة وراءها فراغا سياسيا وأمنيا واستراتيجيا في العراق لا تملؤه سوى إيران حسب الفسيفسائية العراقية بالغة التعقيد؛ وهذا تماما ما حدث بعد الانسحاب الأميركي من العراق بعد الفشل الذريع هناك، حيث تفوق تكلفة الحربين تريليون دولار حسب تقديرات أميركية. واليوم يعتبر توقيع "اتفاق الإطار النووي" استمرارا لحرب "الثارات" بين الطرفين؛ لكن بخوض جيل جديد من الحروب السياسية والدبلوماسية والتفاوضية الماكرة والخادعة؛ بعد قناعتهما بأن حروب الأجيال الأولى لم تعد ذات جدوى لأسباب عديدة وغير خافية على أحد. فإيران تدرك بحنكتها أن أميركا تعاني تدهورا استراتيجيا سيمتد عقودا وإنها ستتنحى عن القيادة الاقتصادية للعالم خلال عقد أو عقدين من الزمن؛ بصعود الصين ودول الاقتصادات الصاعدة الأخرى؛ وهذا ليس ضربا من الخيال، إنما هو قراءات استراتيجية واستخبارية أميركية وأوروبية للقرن 21. وبلا شك فإن أميركا تدرك أنها لا تستطيع خوض حرب ضد إيران نيابة عن (إسرائيل) ومن أجل عيونها؛ لوعيها أن هذه الحرب لن تختلف عن سابقاتها وإنها ستخرج منها بكل أنواع الفشل إن لم يكن بـ"الاستنزاف القاتل"؛ كما حدث لعدوها الأبرز في الحرب الباردة "الاتحاد السوفيتي سابقا"؛ حيث خرج منهارا من حربه الطويلة في أفغانستان مما أدى إلى "تفكيكه" كدولة عظمى في العقد الأخير من القرن الماضي بعد استنزافه هناك. إن تعقيدات الأوضاع العالمية الأمنية والاقتصادية والجيوسياسية والجيواقتصادية كلها قادت الولايات المتحدة نحو هذا الخيار هروبا من خيار "الاستنزاف" الذي يبدو أن هناك من كان يعمل على دفعها إليه دفعا أو جرها جرا؛ خصوصا في منطقتي الشرق الأوسط وآسيا؛ وبعض أوروبا التي تريد وبلا ريب التخلص من الهيمنة الأمريكية على قرارها الاقتصادي والسياسي والاستراتيجي أيضا. والسؤال الكبير هنا: من نصب فخا استراتيجيا لمن؟ إن السياسة تحكمها تقلبات الظروف بكافة أنواعها من اقتصاد وسياسة ونفط وأسعار نفط وأسعار دولار وأمن وجغرافيا وحكام ورؤساء وحسابات شخصية وثورات وانقلابات وتغيرات وكوارث طبيعية وغير طبيعية وغير ذلك. وهذه الظروف وغيرها تخلق تناقضات أو تحالفات استراتيجية لا يستطيع اقتناصها إلا من قرأ الواقع والمستقبل معا مستشرفا صناعة الحياة لأمته وشعبه؛ ولا تغيب عنه دروس التاريخ واللحظات الحرجة ووجود لاعبين آخرين من الدول ومن غير الدول يقفون متأهبين؛ عقولهم كعيون الصقر في انقضاضها؛ وإلا عفا عنهم الزمن وأصبحوا قطعة من التاريخ. خلاصة القول: إن التفكير الاستراتيجي الأميركي والإيراني معا يتفقان في الهدف ولكن كل حسب استراتيجياته وطموحاته وآلياته؛ فالأميركي يهدف إلى استمرار احتلاله الكوني للقرن (21) بأقل تكلفة مع استمرار الهيمنة والسيطرة إلى أقصى حد ممكن؛ أما الإيراني فهدفه تمكين هيمنته على الإقليم المحيط من خلال ضوء أخضر من القوى الكونية؛ أي موافقة على أن تصبح إيران لاعبا استراتيجيا في المنطقة ولكل شيء ثمنه؛ فليس في السياسة سلع مجانية أو منح أو مكافآت ؛ بل سلع معلومة الثمن ويكون الثمن دائما باهظ التكاليف لطرف على حساب الطرف الآخر.