لم يكن عامنا المنصرم مليئاً بالاضطرابات السياسية والاقتصادية فحسب بل والعلمية أيضاً، والتي سيتردد صداها لعقود آتية. فقد فقدت الولايات المتحدة ثلاثة من أهم رموز تفوقها العلمي في مجالات الفيزياء وأبحاث الفضاء والطب، كما أخذت مصادر الدعم المادي للبحث العلمي تنضب تحت وطأة اقتصاد متضعضع في العالم أجمع. إلا أن الصورة لم تكن بتلك القتامة إذ بشر 2011 بنهضة علمية في البلاد العربية التي طالما تخلفت في سباق البحث العلمي إثر الربيع العربي، كما بشر بلقاحات لأمراض متفشية في دول العالم الثالث بأسعار في متناولها. وفيما يلي تلخيصاً بتصرف لتقرير نشر في مجلة Nature في 21 من ديسمبر يظهر أهم التطورات العلمية في عام 2011: الخلايا الجذعية بين التقدم خطوة والتراجع لخطوات: منذ اكتشافها في ستينيات القرن الماضي شكّلت الخلايا الجذعية، وهي الخلايا التي تجمع بين القدرة على التجدد الدائم والتمايز إلى أي نوع من خلايا الجسم، الأمل المعقود في علاج أمراض ما زالت مستعصية على الطب الحديث. إلا أن انسحاب أول شركة تحصل على موافقة المنظمة العالمية للغذاء والدواء لاستخدام الخلايا الجذعية لعلاج إصابات النخاع الشوكي شكّل صدمة للملايين من المتأملين بنجاعة أول تجربة سريرية للخلايا الجذعية على الإنسان. إلا أن الأمل ما زال معقوداً على الخلايا الجذعية المستخلصة من أخرى ناضجة في تشكيل احتياطي من الأعضاء في حالة عطبها رغم عقبات الجهاز المناعي. فيزياء الجزيئات ...متسابق جديد في طريق مليء بالمطبات: شكل الادعاء أن جزيئات "النيوترينوز" قادرة على السفر بسرعة تفوق سرعة الضوء صدمة لعالم الفيزيائيين والفلك إذ عليهم، إذا تأكدت النتائج، مراجعة المئات من النظريات العلمية التي كانت حتى العام الفائت تعتبر من المسلمات. كما شكل إغلاق أحد أهم الصروح في عالم الفيزياء وهو مصادم الجزيئات "تيفاترون" الأمريكي نتيجة عجز مادي انتكاسة كبيرة في العالم عامة وفي الولايات المتحدة بشكل خاص. فضائح علماء: لا يكاد يخلو عام من نوع من أنواع الفضائح بين صفوف العلماء بين تزوير للنتائج وعدم مراعاة الأخلاق العلمية المتعارف عليها في إجراء بحوثهم، إلا أن فضائح 2011 جاءت من العيار الثقيل، إذ أن التزوير جاء من جامعات مرموقة من أمثال هارفارد وديوك الأمريكيتين تاركة جموع المؤسسات العلمية في حالة ذهول. الربيع العربي: جاء الربيع العربي، حسب توقعات تقرير مجلة Nature العلمية، حاملاً معه أمل نهضة علمية وتقنية حتمية للبلاد المتحررة وإن كانت بطيئة في بدايتها. إلا أن التنقيب عن الآثار تعرض لانتكاسة في مصر وليبيا إثر رحيل مجموعات من العلماء الأجانب إبان الثورات. نهاية عصر الاحتكار الدوائي: شهد هذا العام نهاية احتكار بيع "ليباتور" الدواء الأكثر مبيعاً في العالم متبوعاً بعدد من الأدوية ذات الإيرادات الأعلى، الأمر الذي يهدد بانهيار شركات أدوية عملاقة نتيجة عدم قدرتها على إيجاد البدائل رغم المحاولات المتعددة لردم الفجوة عن طريق التعاون بينها وبين المؤسسات الأكاديمية. عوالم جديدة في الأفق: شهد هذا العام نهاية عصر مكوك الفضاء إذ دخل أطلنتس في تقاعد مبكر تاركاً NASA معتمدة على التكنولوجيا الروسية. إلا أن هذا تزامن مع رحلات فضائية ناجحة نحو المريخ والمشتري وتدفق المعلومات من عوالم خارج مجموعتنا الشمسية رغم عدم إيجاد توأم للأرض حتى اللحظة. في ظلال فوكوشيما: على الرغم من وفاة عشرات الآلاف من اليابانيين إثر زلزال مدمر، إلا أن انهيار ثلاث مفاعلات نووية شكل أسوأ كارثة نووية خلال عقود أدت إلى أن تدير اليابان وبعض الدول الأوروبية المؤثرة ظهرها للطاقة النووية، والبحث عن البديل في الغاز الطبيعي والطاقة الشمسية. إذن انقضى 2011 مخلّفاً وراءه فوضى إعصار اقتصادي وسياسي أثر بشكل مباشر على التقدم العلمي في العالم أجمع، إلا أنه من الصعب على المرء ألّا يلاحظ أن هذه الفوضى قد تمهد لواقع جديد تلعب فيه الدول العربية المتحررة دوراً في قيادة النهضة العلمية كقوى ناهضة تتمتع بعزيمة قوية ومصادر لطاقات نظيفة بديلة من غاز طبيعي وطاقة شمسية قد تكون العامل الحاسم في السباق المستقبلي نحو الريادة.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.