"اشتريت لأطفالي من الهدايا ما يعوضهم عن فترة غيابي 25 يوماً في الحج ، ولكن " .. " هي المرة الأولى التي أسافر بها ، حيث لم أكن أتوقع مروري عن الجسر ولكن، ذهبت إلى الارتباط المدني في بيت آيل وقالوا لي أن بإمكاني السفر دون معوقات وهذا ما أعطاني الأمان " .. هذه مقتطفات مما قاله فضل طه " 45 عاماً" من بلدة رافات جنوب رام الله خلال روايته لنا ما جرى معه خلال رحلة الحج التي استغرقت طريق العودة فيها أكثر من 17 شهراً . قرابة الساعة العاشرة من صباح يوم السبت 19/102013، لم يكن يوماً اعتيادياً بالنسبة لفضل وعائلته، فما يفصلهما معبر حدودي يفصل بين الأردن والضفة الغربية. فضل يمسك بوالدته تارة وبحقائبه تارة أخرى، يقدم جواز سفره مع كل شباك ليحصل على الختم قبل أن ينتقل إلى الذي يليه، يرفع سماعة الهاتف ليتصل بأهله " انتهينا من الإجراءات لدى الجانب الأردني ونحن الآن في طريقنا إلى المعبر الإسرائيلي ". [title]تهنئة على طريقة الاحتلال [/title] دقات القلب تتسارع، فهنا كل شيء يتوقعه "أبو النور" فهو أسير سابق أمضى ما يزيد عن سبع سنوات، قدم أبو النور جواز سفره قبل والدته، يأتيه صوت المجند من خلف الزجاج يتحدث العربية بصعوبة ، " إنت فضل طه ؟! استنا هناك شوي " .. وأشار بيده إلى كراسي بالجوار .. لحظات .. يمتلئ المكان بالجنود .. الضابطة ( نورا ) تتحدث " أبو النور زمان عنك ، أنا الي الشرف ايني أكون أول واحد بيهنيك بالحج .. وبدي احكيلك انو راح نلتقي كتير بالمسكوبية ". [title]رحلة عذاب بأقبية التحقيق [/title] رحلة عذاب استمرت 70 يوماً لم ير خلالها "أبو النور" ضوء الشمس، كان وحيداً يصارع جهاز مخابرات، يجلس مقيد اليدين والقدمين على كرسي التحقيق لساعات طويلة قد تستمر اليوم بطوله مع الحرمان من النوم، أمراض في الظهر والقدمين نتيجة الشبح المستمر، إرهاق وغثيان نتيجة الحرمان من النوم. يدخل المحققُ من جديدٍ " أبو النور ازا ما حكيت كل شي عندك احنا بنوعدك بـ 3 سنوات إداري غير القضية الي عليك " ، " اعترف وريح حالك عشان ترجع عند اولادك " .. " شغلك واقف وانت الخسران " .. " دمرنا بيتك .. وأراه صوراً من اقتحام منزله وخلع للبلاط وتكسير محتوياته " . نقل أبو النور إلى سجن عوفر العسكري ليلتحق بركب الأسرى في انتظار محكمته، سجنٌ اختاره الاحتلال بعناية ليعذب أبو النور في كل يوم وهو يدرك تماماً أن أطفاله سيقفون أمام منزله الذي لا يبعد سوى أمتار قليلة ولا يفصل بينهما سوى السلك الشائك لينادوا عليه صباح مساء. يأتي اسم "فضل" مساءً ليجهز نفسه للمحكمة صباحاً، يحمل مصحفه وسجادة الصلاة على كتفه بعد تقييد السجان ليديه وقدميه ويمضي للمحكمة، غرف انتظار مقيتة .. ثم تفتيش .. ثم غرف انتظار .. ثم البوسطة .. ثم انتظار. تأتي المحكمة.. يدخل "فضل" للمحكمة .. القاضي " اسمك الرباعي ؟ ومن محاميك ؟ " .. يجيب.. 5 دقائق يتحدث فيها المدعي العام أن المتهم خطير على أمن المنطقة ويطلب تأجيل المحكمة لدراسة الملف لضخامته، فضل يضحك ويبتسم .. يخرج أبو النور للمحكمة ليعود للانتظار المقيت على طريق العودة كما أتى. [title]انتصار على السجّان [/title] محاكم تتأجل في مراتها العشرين .. لينطق الحكم أخيراً بعد 17شهراً من الانتظار، أفرج عن "فضل" ليعود لأهله، ليجد أن حقائبه ما زالت مغلقة كما هي، فوالدته قد أقسمت أن "فضل" هو من سيفتحها، وفتحت الحقائب ووزعت الهدايا، وبدأت الحياة تعود أدراجها لتبدأ حكاية الأحرار من جديد.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.