19.68°القدس
19.39°رام الله
18.3°الخليل
24.09°غزة
19.68° القدس
رام الله19.39°
الخليل18.3°
غزة24.09°
الخميس 10 أكتوبر 2024
4.92جنيه إسترليني
5.32دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.77دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.92
دينار أردني5.32
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.77

خبر: قوة الواقعية السياسية

إذا كانت الواقعية السياسية عملية توفيق خلاقة ومعقدة بين متناقضات في ضوء ما هو معلوم وملموس، وتوظف المعرفة في كشف أسرار الواقع واتجاهاته؛ فأين ما يجري في عالمنا العربي من فتن وحروب من هذا التعريف، والتوصيف؟! أحد أسس الواقعية السياسية هو قول العالم ابن خلدون في مقدمته: "إن القوي قوة شريرة أو خيرة يتبعه الكثيرون وعوام الناس لمجرد أنه قوي"، وهو ما قد يفسر الكثير من الأمور والأحداث الشائكة والمعقدة والمستعصية الفهم، في عالم السياسة حولنا، خاصة في تفسير الصراعات العربية. يختلف تعريف السياسة من مرحلة تاريخية إلى أخرى، ومن حضارة إلى أخرى، إلا أن التعريف الدارج يكون مصاحبًا للقوة المسيطرة في منطقة معينة، أو للحضارة السائدة في مدة زمنية بعينها، حيث لا مكان للضعفاء، حتى لو كانوا واقعيين، وكانوا يعرفون السياسة معرفة صحيحة، ما لم يحوزوا قوة لتبيان حقيقة واقعيتهم السياسية وصحتها؛ فالقوة والواقعية السياسية متلازمتان ومتكاملتان. لو أسقطنا مفهوم الواقعية السياسية على ما يحصل بعالمنا العربي في الوقت الحالي من حروب أهلية وفتن، وإعدامات بالجملة ولرئيس منتخب ديمقراطيًّا؛ لاضطرب مفهومها وتعريفها، إذ بات الحليم حيران لشدة التناقضات الفرعية، وطغيانها على التناقض الرئيس، وهو هنا الكيان العبري الذي بات في آخر الاهتمامات. من طبائع الأشياء أن يكون القوي _سواء أخيرًا كان أم شريرًا_ يحمل أفكارًا يريد من الآخرين أن يحملوها وينشروها بمختلف الطرق، منها الجيد ومنها السيئ، ولتحقيق ذلك يزيل العوائق والتهديدات التي تعترض طريقه؛ لإثبات سلامة نظرته إلى الواقعية السياسية، وهو ما قد يدفعه إلى استخدام القوة، فإن كانت القوة المستخدمة ظالمة فقد تنجح، ولو إلى حين، ولكن إن كانت قوة خيرة تنجح وتدم، وتنجز أكثر؛ لأنها وقتها تكسب القلوب والعقول، بعكس ما يجري في دول عربية عديدة. الضعيف في الواقع السياسي وعبر التاريخ لا يقلده ولا يقتدي به أحد، ولا يرغبه أيًّا كان، حتى لو كان صاحب فكر سياسي متطور، ومنطق قوي، وصاحب حق ومظلومًا، وقد يحوز بعض قطرات من الدموع تعاطفًا كدموع التماسيح. عديدون يعرفون السياسة بأنها فن الممكن، ويعرفون أنفسهم بأنهم أصحاب المدرسة الواقعية التي تدعو للاعتراف بالواقع السياسي والتعامل معه كما هو، دون التحليق في عالم النظريات والأحلام والأوهام. يرى العديد من الإسلاميين أنه لا يوجد حكمة في هدر الطاقات مجانًا دون نتيجة تذكر، أمام طاغية أو حاكم دكتاتوري مستبد، في ظل خلل فاضح في موازين القوى؛ كون ذلك لا يحقق الأهداف المرجوة، وهو ما يراه آخرون نكوصًا وابتعادًا عن الواقعية السياسية التي تؤمن بالتغيير (تعريف السياسة لديهم هو أنها فن التغيير لا فن الممكن)، والتضحيات التي تكون مدروسة ومثمرة لتراكم قوة على قوة، تكون نتيجتها فرض واقع سياسي معين، وتطبيق الواقعية السياسية بمفهومها السليم. أصحاب مدرسة فن الممكن في الواقعية السياسية بات وضعهم صعبًا جدًّا، ولا يحسدون عليه؛ فما عادت طريقتهم في التفكير تقنع كثيرًا، وهي أن أفضل وسيلة للتعامل مع تصارع القوى هو التعامل معها دون التصادم، في حال كانت موازين القوى لا تلعب لمصلحتهم، بدل مجانية التضحيات، ويرون أن الواقعية السياسية تعني التفكر والتدبر، والإعداد والتخطيط الجيدين قبل القيام بفعل محسوم النتائج، بأسلوب عميق ومدروس في معرفة العواقب المترتبة عليه مقدمًا، وهو ما يراه آخرون تبريرًا وتسليمًا للدكتاتور. أصحاب الواقعية السياسية ذوو النظرة السليمة يتعاملون معها على أنها "الممارسة السياسية المستندة إلى القراءة الموضوعية العلمية للواقع؛ بهدف التعامل معه بحكمة وروية، وبما هو معلوم وموجود؛ بقصد تغيير معطياته وتحويله، ما يوجد واقعًا آخر مختلفًا بصورة أفضل مما هو موجود". في كل الأحوال مهما اختلف الجدال بشأن تعريف السياسة أو طريقة التعامل مع الواقعية السياسية من قبل من يملكون القوة؛ فإن سننًا كونية وجدلية تاريخية تبقى أقوى من كل يخطئون عن عمد في فهم وتطبيق السياسة والاستخفاف بشعوبهم، وتجبرهم لاحقًا على الانصياع لقوانين وسنن الحياة السياسية، وغيرها من القوانين الإلهية التي قضت بهزيمة الظالم المتجبر، والأمثلة من التاريخ كثيرة لمن أراد.