ثمة عدد من العواصم العربية تعاني مشكلة السيادة، ومشكلة تحرير القرار السيادي، ثمة عواصم قلبها مع حماس، ومع المقاومة، وهو ما تفصح عنه في لقاءات داخلية وخاصة، غير أن لسانها يتحدث بلغة مختلفة وخطاب يجامل واشنطن والاتحاد الأوروبي والرباعية وإسرائيل أيضاً. ثمة عواصم تؤمن بشرعية حكومة إسماعيل هنية المنتخبة وفقاً للقانون الأساسي الفلسطيني المنظم للعمل السياسي، ومع ذلك يستخدمون لغة (الحكومة المقالة)، ويستقبلون سلام فياض بوصفه رئيس وزراء فلسطين، ويقبلون ضغوط عباس وتشويشه على زيارة حكومة إسماعيل هنية. المشكلة في هذه العواصم ليست في القناعات، أو في الضمائر، وإنما في السيادة، وتحرير القرار، وهي المشكلة نفسها التي أمرضت النظام المصري والنظام التونسي البائدين، واستدعت الثورة الشعبية فيهما لتحرير القرار، وتحقيق السيادة، وإعلاء سلطة القانون وحقوق الإنسان. ما تتميز به تونس الثورة، تونس الجديدة، تونس الديمقراطية وحقوق الإنسان، أنها أعطت تونس سيادتها، وأعطت الشعب سيادته، وجعلت من القانون حكماً ومرجعاً. كانت زيارة هنية إلى تونس مثلاً مرفوضة من الحكم البائد لغياب السيادة، والقرار الحر، وفي ظل (النهضة) وولاية المرزوقي، والجبالي استدعت أقلام سياسية قادمة من الماضي مسألة (التوازنات) الدخلية والدولية، وخوفت الحكم الجديد في تونس من غضب إسرائيل والغرب وإسرائيل، ومحمود عباس أيضاً، ولكن تونس الثورة رفضت منطق التوازنات التي تعبر عن حالة ضعف واستجداء، وتتناقض مع مفاهيم السيادة، والقرار الحر المستقل، وحقوق الإنسان، وتصطدم مع القانون، فكان القرار التونسي هو الاستقبال الرسمي والشعبي لإسماعيل هنية، والوفد المرافق له. كانت لغة القانون والسيادة والقرار الحر، هي التي صنعت هذه الزيارة الكريمة، لتعزيز روح الثورة التونسية، التي تلتقي بحسب خطابهم بروح الثورة الفلسطينية، التي ألهمت الثورة التونسية روحها. قال المرزوقي والغنوشي: الثورة التونسية تستقبل الثورة الفلسطينية، والحكومة المنتخبة في تونس تستقبل الحكومة المنتخبة في فلسطين. وإذا كان الشعب التونسي بكافة أطيافه السياسية قد عبر عن إعجابه وفرصه منقطع النظير في استقبال هنية، فإن الحكومة مجبرة على الاستجابة لإرادة الشعب الذي أعطاها الثقة وفوضها بالنيابة عنه بعد ما صنع ثورتها المجيدة. وعلى قادة أوروبا احترام إرادة الشعوب التي هي جوهر الديمقراطية عندهم. فلماذا تخوفوننا بالغرب؟ ولماذا تتعبون أنفسكم بمفاهيم التوازنات الضعيفة، وأنتم في عهد الثورة ضد الاستبداد الداخلي والخارجي؟ تونس اليوم سيدة حرة، وتملك قرارها، وتستجيب لإرادة شعبها، وترفض التدخلات الخارجية، وتقاوم تزييف الوجدان والضمير والمشاعر، وتحدد مواقفها السياسية في ضوء الثورة وأهدافها، وتبنى على إرادة الشعب لا على إملاءات الغرب، أو الموساد، أو حتى لغة عباس ومواقفه. العاصمة التونسية التي استقبلت هنية، هي العاصمة الجديدة، التي تتسع لكل فلسطيني حر، ولكل قيادي يحترم شعبه، ويمثل الأمة التي يقودها، ويحرر قراره من التدخلات الخارجية، ويتعامل مع تونس باحترام للقانون ولحقوق الإنسان ولإرادة الشعب.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.