رغم مواصلة السلطة وأجهزتها الأمنية حملتها القمعية بحق كوادر وعناصر حركة حماس، واعتقالها لنحو 165 منهم في مختلف مدن وبلدات وقرى الضفة الغربية، إلا أن الشارع الضفاوي وفي سابقة نادرة انتفض في وجه الاعتقال السياسي، وأعلى صوته رافضا لتلك الممارسات التي لا تخدم بنظره إلا الاحتلال الإسرائيلي ومن يقف معه.
فقد أدان "حزب التحرير في فلسطين"، تصاعد حملة الاعتقالات السياسية في الضفة الغربية المحتلة، معتبراً أن ذلك "لا يخدم سوى الاحتلال ومصالحه ويؤثّر سلبياً على السلم الأهلي"، حسب رأيه.
وقال عضو المكتب الإعلامي للحزب، ماهر الجعبري، في تصريح صحفي، وصل "فلسطين الآن" نسخة عنه، اليوم، إن تصاعد حملة الاعتقالات ضد أنصار ومؤيدي حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في الضفة الغربية هو "تنفيذ لعقيدة التنسيق الأمني عند قادة السلطة الفلسطينية وترجمة عملية لسياسة قمعية تنتهجها السلطة الفلسطينية ضد كل من يخالف نهجها".
وأضاف: "كان يتوجب على أفراد الأجهزة الأمنية أن يصوموا عن الاعتقال السياسي وعن القمع قبل الامتناع عن الأكل والشرب في نهار رمضان"، على حد تعبيره.
وأكّد الجعبري أن "الحزب ينظر لأبناء فلسطين عموما نظرة واحدة، ولذلك فهو يدين عمليات الاعتقال السياسي أياً كان من يقف خلفها، وهو يفضح القائمين عليها ويكافحهم سواء كان الاعتقال لشباب حزب التحرير أو لأنصار أي فصيل سياسي، وأكد أن الحزب يستنكر كل عمليات الاعتقال السياسي سواء التي تحصل في الضفة الغربية أو في غزة، وهو يقف مع قضية كل معتقل سياسي من باب الحق لا الانحياز الفصائلي"، وفق البيان.
ووجّه رسالة سياسية إلى أهل فلسطين للتصدي لـ "سياسة السلطة القمعية وعدم الرضوخ للمتطلبات الأمنية في اتفاقات السلطة مع الاحتلال"، معتبراً أن "الاعتقال السياسي منعاً لتحركات المقاومين هو تحقيق لأمن الاحتلال ولا علاقة له بأمن أهل فلسطين"، كما قال.
خرق فاضح للقانون
من جهته، طالب المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، حكومة التوافق الفلسطينية في الضفة الغربية باتخاذ إجراءات واضحة تلزم السلطات التنفيذية بـ"التقيّد التام بالقانون الفلسطيني، وبالكف نهائياً عن الاعتقالات السياسية".
وأوضح في بيان صحفي، وصل "فلسطين الآن" نسخة منه، اليوم، أنه ينظر بقلق بالغ إلى حملة الاعتقالات الواسعة التي شنتها الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية خلال اليومين الماضيين، التي طالت العشرات من أنصار حركة المقاومة الإسلامية "حماس".
ووفقاً لتحقيقات المركز، فقد شرع جهازا "المخابرات العامة" و"الأمن الوقائي" التابعان للسلطة الفلسطينية في ساعات مساء يوم الخميس وفجر الجمعة الماضيين، بتنفيذ حملة اعتقالات في مختلف محافظات الضفة الغربية، طالت -وفق ما تمكّن المركز من توثيقه- 148 ناشطاً محسوباً على حركة المقاومة الإسلامية "حماس".
واستناداً لتحقيقات المركز، فإن عددا كبيرا من المعتقلين جرى اعتقالهم دون مذكرات اعتقال قانونية، كما صادرت قوات الأمن الفلسطينية أجهزة كمبيوتر من منازل عدد من المعتقلين، مشيرة إلى أن هذه الحملة هي الثانية التي تنفذها أجهزة السلطة الفلسطينية ضد نشطاء ومؤيدي حركة "حماس" خلال هذا العام، حيث سبق لها وأن شنت حملة بداية آذار (مارس) الماضي وطالت في حينه 32 ناشطاً.
وأشار المركز، إلى قرار محكمة العدل العليا الفلسطينية الصادر بتاريخ 20 شباط (فبراير) 1999، والقاضي بعدم مشروعية الاعتقال السياسي، وأن على جميع الجهات التنفيذية احترام قرار المحكمة والامتناع عن ممارسة الاعتقالات السياسية غير المشروعة، داعياً الأجهزة الأمنية الفلسطينية إلى الالتزام الكامل بالدستور والقوانين الأخرى ذات العلاقة، واحترام حقوق الإنسان.
"التنسيق خيانة"
وكان نشطاء أطلقوا حملة إعلامية مناهضة للاعتقالات التي تنفذها أجهزة السلطة الفلسطينية بحق مواطنين في الضفة الغربية المحتلة، على خلفية انتماءاتهم ومواقفهم السياسية.
ويأتي تدشين الحملة التي أُطلق عليها اسم "التنسيق خيانة"، في إشارة للتنسيق الأمني المستمر بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، عقب التصريحات التي أدلى بها المتحدث باسم أجهزة أمن السلطة بالضفة عدنان الضميري، أمس السبت (4|7)، التي تضمّنت اتهاماً للمعتقلين خلال الحملة الأخيرة وجميعهم من نشطاء وأنصار حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بـ "إثارة الفوضى".
وتداول نشطاء الحملة عدة أوسمة على مواقع التواصل الاجتماعي، تؤكّد على رفض نهج الاعتقالات السياسية والتنسيق الأمني، وأخرى مستنكرة لاتهامات الأجهزة الأمنية ومؤكدة على حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال.
وأكّد نشطاء وإعلاميون فلسطينيون، أن الحملة ستتواصل بنسق تصعيدي رداً على حملة الاعتقالات، والتي تم خلالها نشر عدد من المواقف والتصريحات والتصاميم الفنية التي تعبر عن الحالة، وفق تأكيدهم.
وكان الضميري قد أقر خلال مؤتمر صحفي له، أن الاعتقالات الأخيرة تمت رداً على تصعيد عمليات المقاومة التي وصفها بـ "أعمال فوضى" في الضفة الغربية، حيث شهد الأسبوع الماضي عدة عمليات استهدفت جنود الاحتلال ومستوطنيه، وقد تبنّت "كتائب عز الدين القسام" الجناح العسكري لحركة "حماس" بعض تلك العمليات.
وخلّفت الاعتقالات المتصاعدة من أجهزة السلطة، حالة من الاستياء ممزوجة بالغضب في صفوف عائلات المعتقلين، لا سيما بعد توارد أنباء عن إضراب بعضهم عن الطعام وتعرض آخرين للتعذيب، كما عبّرت مجموعة من أهالي المعتقلين عن حزنهم لغياب أبنائهم عن موائد الإفطار الرمضانية.
دعوة لاطلاق سراحهم
بدوره، طالب تجمع الشخصيات الفلسطينية المستقلة جميع الأطراف الفلسطينية بالتوقف عن أية ممارسات أمنية أو مساجلات إعلامية تصب في اتجاه توتير الأجواء بين حركتي حماس وفتح .
ودعا تجمع الشخصيات الفلسطينية المستقلة، الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة الغربية إلى إطلاق سراح المعتقلين على خلفية سياسية، كما رفض التجمع التصريحات التوتيرية الخارجة عن السياق الملتزم بأسس المصالحة.
وأكد رئيس تجمع الشخصيات المستقلة في الضفة وعضو لجنة الحريات خليل عساف، أن اللجنة اجتمعت في رام الله من اجل متابعة التطورات الأخيرة المتعلقة بقيام الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية بتنفيذ حملة اعتقالات طالت العشرات من أبناء حركة حماس باعتراف الأجهزة الأمنية.
وأوضح عساف أن لجنة الحريات رفضت حملة الاعتقالات الأخيرة وطالبت بالإفراج الفوري عن أي معتقل على خلفية سياسية، فيما دعت إلى وقف السجال الإعلامي والتفوهات التي تصب في ترسيخ الانقسام وتسميم أجواء المصالحة.
وأضاف: "إن اجتماع لجنة الحريات هو رسالة إلى حركتي فتح وحماس بضرورة الالتزام بما تم الاتفاق عليه في القاهرة من اجل إنهاء ملف الانقسام الأسود"، على حد تعبيره.
طلاق التوافق
من ناحيته، قال الأكاديمي والمحاضر في جامعة النجاح مصطفى الشنار، إن السلطة في الضفة الغربية تعيش حالة من غيبة الوعي، وأنها وعبر حملة الاعتقالات السياسية الأخيرة، أعلنت من طرف واحد طلاق التوافق مع فصائل المقاومة طلاقا بائنا لا رجعة فيه.
وأشار الشنار في مقال تحليلي له حول حملة الاعتقالات السياسية، إلى أنها تهدف لإرسال رسائل متعددة المهام لمختلف الأطراف الداخلية والإقليمية والدولية، لإعادة تسويق الحكومة الفلسطينية بمقاسات الرئيس عباس بعيدًا عن حركة حماس وفصائل المقاومة.
ونوه الشنار إلى أن منهجية الاعتقالات وتوقيتها بعد منتصف الليل وبأسلوب الاحتلال ذاته بالمداهمات وإطلاق النار وكثافة أعداد العناصر الأمنية يهدف لإظهار السلطة وكأنها ما زالت تمسك بزمام الموقف، وأنها قادرة على القيام بواجبها الوظيفي بملاحقة المقاومة.
وأضاف "هذه الحملة غير المتوقعة لا بد أن تكون قد جرت بأعلى درجات التنسيق الأمني مع الطرف الإسرائيلي بحكم الظرفيات الزمانية والمكانية التي جرت فيها، التي لا يمكن للسلطة العمل فيها إلا بالتنسيق مع سلطات الاحتلال وأجهزته الأمنية، ما يدلل على أن قرار اللجنة التنفيذية الذي اتخذته قبل أشهر لم يتجاوز حدود الورق الذي كتب عليه، وأن مراسم دفنه تمت بـ "بساطير" أمن السلطة ليلة الجمعة".